مات الخليفة الواثق عام ٢٣٢ هـ وتولى بعده أخوه جعفر المتوكل على الله؛ وكان النزاع الذي طال أمده قد احدث رد فعل في نفوس المصلحين ومحبي السلام، فبذلت جهودا جبارة للتوفيق بين المتنازعين، وإزالة روح الحسد والتنافس التي طغت على العلاقة بين طوائف الجند، ووشجت بنفوس الرؤساء من كل فريق. وكان على رأس هؤلاء المخلصين الداعين إلى الإصلاح نديم المتوكل وصاحبة الأثير: الفتح بن خاقان الذي تقدم إليه الجاحظ برسالته في مفاخر الترك بعد أن أضاف إليها مقدمة قصيرة ملائمة. ولا شك أنه في هذه الفترة أيضاً زاد من عنوانها فجعله (في مناقب الترك وعامة جند الخلافة). . . إذ الرسالة الأصلية - بعد حذف المقدمة التي توجه بالخطاب فيها إلى الفتح - مقصورة على ذكر مفاخر الأتراك والإشادة بفضلهم على سائر الأجناس، في حربهم وسياستهم وصناعتهم وأخلاقهم، وكل ما يكون موضع فخر ومحل تمايز وتفاضل.
والفتح من الترك، فما يضيره أن يطنب الجاحظ في فضائل بني جنسه؛ ثم هو من دعاة الألفة والإصلاح فلا يضير الجاحظ أن يوطئ لرسالته بحديث في مزايا هذه الألفة يضمنه من فضائل تلك الطوائف جميعاً ما يجعل كلامه أقوى في التأثير وأدعى إلى القبول
بذلك خرجت الرسالة في قسمين: مقدمة في فصل التآلف وضرورة اتفاق الكلمة مع حديث في مزايا كل طائفة من طوائف الأجناد سوى الترك؛ ثم فصل طويل في مناقب الترك خاصة، وهو الرسالة القديمة بعينها. . .
أما المقدمة المستحدثة فيبدأ الجاحظ فيها بالإشارة إلى ما يضطلع به الفتح بن خاقان من الدفاع عن الخلافة والترغيب في الالتفاف حولها، والسعي إلى توطيد التآلف بين أنصارها، وإقرار فضيلة الطاعة وبث روح الود والمناصحة فيهم؛ ثم يقول متوجها بالحديث إلى الفتح: