قد سبق لهذا القلم أن عاتب وزارة المعارف في هذا الباب من الرسالة، ولا سيما يوم عرض لدار الأوبرا الملكية ولمعهد الموسيقى العربية. ويحلو له اليوم أن يذيع أن وزارة المعارف حمت نفائس دار الآثار العربية إذ منعت خروجها من مصر. وهكذا تذكر الحسنات إلى جانب غيرها
والقصة أن جمعية (مصر - فرنسا) - القائمة في باريس رغبت إلى المستشرق المسيو فييت مدير دار الآثار العربية في مصر (وذلك بعقد يجدد كل سنتين) أن يظفر بموافقة الحكومة المصرية على الإرسال بأجمل القطع المحفوظة بالدار إلى باريس حتى تُمدّ معرض الفن الإسلامي المزمع إقامته هنالك. فاختار المسيو فييت نحو ثمانمائة تحفة وأوعز إلى معاونيه بجمعها وإعدادها للرحيل؛ وإذا وزارة المعارف تقف في وجه الأستاذ فييت وترفض أن تقره على عمله
ولا شك أن في عمل المسيو فييت بعض الشطط. ذلك أن قانون دار الآثار العربية - فيما أعلم - يحظر خروج محفوظاتها منها وإن قال قائل إن الدار سبق لها أن ترسل بتحف إلى معرض الفن الفارسي سنة ١٩٣١ وأُخرَ إلى معرض بروكسل سنة ١٩٣٧، فالذي في الواقع أن تلك التحف كانت معدودة. وأما هذه الدفعة فقد حاول الأستاذ فييت أن يخرج من الدار ثمانمائة تحفة كلها من النفائس التي لا مثيل لها في سائر البلدان والتي بها تفخر دار الآثار العربية وتعتز مصر. ولو اتفق لهذه التحف أن تنفذ إلى باريس فما يكون مصيرها لو وقعت حرب أو تحطمت أو تثلمت أو أثر فيها الجو؟ من أين نجلب أشباهها؟
والوجه أن الآثار لا تخرج من بلد إذا كانت فريدة لا أخوات لها، ثم إنه يحسن أن تخرج نماذج لها بدلاً منها. وعلى هذا أقيم معرض النحت الفرنسي لهذه السنة في الجزيرة في مصر، وعلى هذا أكثر المعارض الرفيعة
وبعد، فالمأمول أن تعد وزارة المعارف نفسها معرضاً للفن الإسلامي تكل أمره إلى دار الآثار العربية، لأن مصر أحق البلدان في إقامة مثل ذلك المعرض، فنفائس دار الآثار لا تجاريها محفوظات المتاحف الأخرى؛ فضلاً عن أن عددها يبلغ هذا الرقم الجليل: ١٤٣٥٠