للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[صور من التاريخ الإسلامي:]

عبد الله بن الزبير (١ - ٧٣هـ)

بقلم محمد حسني عبد الرحمن

كان القرن الهجري الأول عامراً بالأبطال الذين ترتكز بطولتهم على العقيدة، وتقوم شخصياتهم على العزائم الثابتة، والمبادئ الواضحة القويمة. ولو أن مؤرخاً إسلامياً أراد أن يسجل صفحة ثبتاً بأسماء النابغين من رجالات قريش، في الصدر الأول من الدولة الأموية، لكان خليقاً به أن يضع في طليعتهم بطلاً فذاً، كان لا ينفك شوكة في جنب هذه الدولة، لسموّ نفسه، وطمعه في الخلافة، وعمله لتحقيق غرضه؛ حتى كاد ينتزع اللقمة لنفسه من فم تلك الدولة الفتية؛ كان يطمع في النجم، وكان يؤيد مطامعه عزمٌ قوي، وبأس شديد، ولسان ذربٌ، وشرف واضح، وهمةٌ قعساء، تعضُدها الشهامة والبطولة، ولقد تمت له بكل هذا أدوات الرجولة. ذلك هو عبد الله بن الزبير الأسدي القرشي

أنجبه أبوان كريمان؛ أما أحدهما فالزبير بن العوام بن خويلد من بني أسد بن عبد العُزى، حواريّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمته صفية؛ ولم يكن الزبير مغموراً ولا وسطاً في الناس، وإنما كان رجلاً من الطراز الأول، ومن ذوي المقامات الممتازة الذين تقوم الدول على أكتافهم، ولا يُبَتُّ في أمر هام إلا بعد مشورتهم وبذل نصحِهم؛ ولقد كانت له اليد الطويلة في نجدة الإسلام أيام كان المسلمون قلة، كما كانت له مواقف مشهودة وآراء سديدة، في فتح البلدان، ونشر الإسلام؛ أرسله أميرُ المؤمنين عمر إلى مصر نجدة لابن العاص وهو يحاول فتحها، وقال له: إني أرسلت إليك رجلاً بألف! ولقد برهن الزبير بسداد رأيه، ومجيد أعماله أنه أهل لهذا التقدير العظيم. وفي الحق أن الزبير كان يُعدّ في الصف الأول بين أمجاد قريش، وذوي الثروة فيها، وقد رشّحه مركزه ونباهة شأنه، وقوة شخصيته للخلافة؛ فكان أحد الستة الذين عهد إليهم ابن الخطاب، أن يختاروا خليفة منهم بعد وفاته للمسلمين

هذا هو الزبير أبوه؛ أما أمه فحسب القاريء أن يعرف أنها أسماء بنت أبي بكر الصديق، وأخت عائشة أم المؤمنين، وكانت مع شرف أرومتها، ذات حزم وفِكرٍ ثاقب، كما كانت صلبة العود، أبية النفس، لها عزمٌ جبّار؛ فلو أنها لم تكن أنثى، لكانت رجلاً ولا كالرجال!!!

<<  <  ج:
ص:  >  >>