ولما تم تقديم الجميع للخليفة، وقف اللاعبون في صفوف منتظمة، ودقت الطبول تعلن بدء المباراة.
وكان عدد المتبارين قد بلغ نيفاً وسبعين فارساً، فكانت المباراة في الدفعتين الأوليين شاقة ومرهقة ولم يفز فيها سوى عشرة منهم لهم الحق في التسابق الأخير وهو أعنف أدوار المسابقة وأصعبها؛ فقد ركّز عمود في وسط الساحة بالغ في الارتفاع، وثبت في طرفه الأعلى بأسلاك قوية تمثال طائر كسي جميعه بالحرير الذي جعل النسيم يداعبه فيتحرك ذات اليمين وذات الشمال.
وعلى كل من الفائزين في الأشواط الأولى أن يسدد سهامه إلى ذلك الطائر من مسافة معينة، ويحوز قصب السبق من يوقعه على الأرض في إحدى ضربات ثلاث، وقد تقدموا جميعاً ما عدا إسحاق فإنه قد بقي للنهاية بحكم قانون اللعب لإحرازه البطولة في عامين سابقين. وكان كل من يتقدم منهم يتبادل التحية مع الجماهير الحاشدة في الملعب وهو عظيم الأمل في الفوز ولكن التوفيق خالفهم جميعهم، ورجعوا منكسي الرءوس يتصببون عرقاً.
ولما تقدم إسحاق وحيا الجماهير وحيته، شمل الساحة سكون مطبق، ورنت إليه الأبصار واشرأبت الأعناق في تلهف ورغبة فلما أخذ مكانه وأرسل أولى سهامه إلى الطائر تابعته الأنظار وشايعته القلوب حتى استقر في صدر الطائر وأماله إلى الخلف كثيراً فترنح الطائر للسقوط ثم أخذ مكانه الأول ولكن من غير جناحين فقط على الأرض، فارتفعت الأصوات في الفضاء بالتهليل والتكبير، وتعالت بالدعوات لإسحاق. فاهتزت جوانب الملعب، ثم عاد إليه الهدوء بعد قليل، ولما صوب إسحاق سهمه الثاني اهتز العمود في عنف وتقطعت أسلاك كثيرة وتمايل الطائر إلا أنه لم يسقط. فهتفت الجماهير في صوت واحد: