للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[بكم تبيع؟!]

للأديب الفاضل ثروت أباظه

كان اليوم يوم جمعة، والشتاء يرسل نذره لطيفة جيناً، عنيفة أحياناً، ولا عاصم من تلك النذر إلا الشمس ضحى لها حيث نتوقعها. . .

وبالجيزة قهوة توثقت الصلة بينها وبين الشمس: فهي دفء ونعيم ومنظر، لجأت إليها وحدي مترقباً صديقاً على موعد. . . جلست أنتظر فإذا رجل منتفخ الأوداج، غليظ الشفتين، حليق اللحية الشارب، أسمر الوجه ذو شعر لولبي يأبى على الطربوش أن يطمئن على الرأس، قصير القامة منبعج في امتلاء، يحاول أن يتأنق ما أتاح له جسمه ذلك، وقليلا ما يتيح. . . إنه عبد الشكور أفندي. . استغفر الله. . . بل عبد الشكور بك. . . ولم لا؟! ألم يهبط من عربة فخمة يقودها بنفسه؟! ألم يغد صاحب أملاك وعمارات. . . لا. . . إنه عبد الشكور بك. وباشا إذا لزم الأمر! كنا أعرفه معرفة قليلة، ويظهر أنه هو الآخر جاء على موعد، فهو يقصد إلى منضدة قريبة ولكنه حين يمر علي لم ينس هذه الانحناءة التي تحاول أن تكون أرستقراطية فيقف دون ذلك قوام أفقي! يفعلها على أي حال تمرين رياضة جسدية، على أنه إن لم تكن تحية ودية، ويقصد إلى المنضدة فيجد عليها رجلا أنيق الملبس، أشيب الفودين، طويل القامة، مليح القسمات، يقف ويسلم على عبد الشكور بك في حركات مهذبة رشيقة، ويجلس الرجلان؛ وأظل شاخصاً إليهما حتى يأتي صديقي ويسألني عمن أنظر إليه فأحدثه حديث عبد الشكور الذي كان كما سمعت بائع دقيق، ثم. . . ثم صار عبد الشكور (بك) منذ سنتين! فيؤكد لي هذه القالة ويخبرني أن الرجل الجالس إليه موظف كبير بوزارة. . . وأنه يتمتع بسمعة لا يحسد عليها. . . التفت إلي رفيي وقلت:

- أتعرف كلمة هذا العهد؟

- ماذا تقصد؟

- ألم تعلم يا صديقي أن لكل عهد كلمة تميزه من سائر العهود، كلمة يخلقها الجو العالمي وتنميها ألسنة الناس، كلمة عهدنا هذا: بكم تبيع؟. بكم تبيع شرفك؟! بكم تبيع كرامتك؟ وخلقك ماذا يساوي. .؟!) تسمع الآن هذه الأسئلة وتسمع بجانبها ناصحاً يقول للمسؤول: (قل! أخبره! إنه سيدفع) وآخر يقول للسائل: (أدفع! إنه سيبيع!) ولكل من الناصحين فائدته

<<  <  ج:
ص:  >  >>