[في مآتم الأشواق]
للأستاذ محمد العلائي
(إلى طه حسين، والمازني، والعقاد، والزيات، إلى الصديق سيد قطب، إلى هؤلاء أولا، إلى أدباء العربية ثانياً أقدم هذه اللوحة المشبوبة، وهي: مواقد أشواق تسامت بلهيبها أوهام الليل، وترامت على ضوئها مخاوف الرحيل، فباركتها بدعائي، وأحرقت فيها مواهبي، ثم تنفس الفجر فعصفت بقداستها سخرية اليقيقن، وأختنق شيطانها بأريج السلام. . . فسارعت إليها وأطفأتها بأقدامي):
تذكرتُ أيامي ودَارَ متاعبي ... ومشرق أحلامي ومسرى مواهبي
تراءى لناالماضي ولاحت معاهدٌ ... تمليت أوهامي بها وتجاربي
ومأساتُنا الأولى هناك تنزلت ... عليّ بدار الشمس قبل الغياهبِ
وراحت توافيني بكل كريهةٍ ... وتقذف ألوان القذى بمشاربي
وتفجر ما بين الضلوع تزيفها ... لنغمة شادٍ أو لآهة نادبِ
لها كل يوم في الشروق مناحةٌ ... وأوجع منها عند زحف المغاربِ
ظلام الضحى أبلى جديدي وعاقني ... وبيّض في شرخ الشباب ذوائبي
وأطفأ مني القلب في ميعة الصبا ... ويتم أفراحي وأذوَي رغائبي
وحجبني بين اللدِّاتِ فكلهم ... لعوبٌ وهذا منزوٍ غير لاعبِ
وأخرج من أدنى القلوب محبتي ... فأمي لا ترجو بقائي ولا أبي
وأشهدُ أني كنتُ نور عيونهم ... وكنت عزيز الدار نجم الملاعبِ
ولكن أمراً والزمان أراده ... فلست على أهل الزمان بعاتبِ
تناسيتُ إلا محنتي ومواجعاً ... تُقَلِّبها الساعات بين جوانبي
ورحلتنا الأولى ويوم تضاحكت ... أمامي أساريرُ المنى والمطالبِ
ولاح رجاءٌ واطمأنت مشيئتي ... بطالعٍ يمن في جبين الكواكبِ
فأجمعت أمري لا أخاف على غدي ... لقاء العوادي أو ركوب المصاعب
وخلفتُ أحباباً ورائي وأنفساً ... يعزُّ عليها غربتي ومتاعبي
وتحنو على ضعفي وترحم جرأتي ... وتخشى على حظي عثار المراكبِ