في ذهني، عن شعراء الشباب عندنا فكرة عامة، تزداد وضوحاً، وأزداد بها تعلقاً كلما نشر أحدهم مجموعة شعره، ولقد أتيح لي أن أقرأ عدداً من تلك المجموعات في الأيام الأخيرة، فزادتني يقيناً بأن الشعر في مصر يسير الآن لي غير قصد، أو بعبارة أخرى لم تنشأ بعد عندنا في الشعر (مدرسة) لها لونها، ولها غايتها، ولها سبلها المختلفة، التي تنتهي بها إلى تلك الغاية. وعلة ذلك أن شعراءنا إلا أقلهم مقلدون، وقل أن تلمح لأحدهم أصالة أو تتبين له جهة، وكأني بالشاب منهم يتناول القلم والورق، ويجلس لينظم، لا لأن قلبه يخفق بمعنى يريد أن يفصح عنه، بل لأن شهوة النشر تملك زمامه، والرغبة في المحاكاة تصرفه في ذلك عن الصواب، ففي نفسه بقية مما قرأ ولم يحسن فهمه من المسائل، فهو يتطلع إلى التجديد والغموض والرمز والبحث عن المجهول والتشاؤم وما سوى ذلك من معانِ يرددها دون أن يدري كنهها أو المقصود منها، وليت شعري، كيف نسمي إنتاجاً كهذا شعراً؟ وهل كان الشعر إلا الإحساس القوي ثم الإفصاح عنه في صورة تلائم الفن وترضي الذوق؟
وانك لتلتمس الدليل على ما أقول في هذا الديوان المسمى بالشاطئ المجهول، فأني على الرغم من عثوري فيه على بعض قطع أبهجتني قراءتها، قد عجزت تماماً عن استجلاء ما يريد الشاعر بما جاء في قسمه الأول الذي من أجله سماه بهذا الاسم
بيد أني أحب أن أبدأ الكلام عن هذا الديوان من الناحية الشكلية، فقد استوقفتني فيه ظاهرة أمضتني بقدر ما تولاني منها الدهش، ذلك أن الشاعر (سيد قطب)، قد مهد لديوانه بمقدمة نقدية بقلم الناقد (سيد قطب)، وراح في هذه المقدمة يمدح نفسه، ويطنب في هذا المدح في صورة يعروني لمجرد الإشارة إليها كثير من الخجل والحياء! ففي الديوان نظريات علمية وفلسفية، والشاعر ملم بها. والشاعر متصل بالعوالم المجهولة، تربط قواه الروحية بالوحدة الكونية الكبرى. وللشاعر إحساس متيقظ بالزمن ومروره، ويملأ الشغف بكشف المجهول والحديث عن السر حيزاً كبيراً من ديوانه، والشاعر في هذا الديوان يقف موقف المصور في كثير من القصائد وفي الديوان ظاهرة تستحق التسجيل، وذلك أن لوناً من ألوان