إنها أقدم المعبودات وأشرفها، فقد ذكر المؤرخ الروماني (سيلاني) أنها كانت في مدته أشرف المعابد في العالم وأقدمها طرا، وذلك كان قبل ميلاد السيد المسيح بأكثر من خمسين عاماً وتتكون الكعبة من البناء الذي رفع قواعده إبراهيم وإسماعيل ليحج إليه الناس ذاكرين ربهم، (وإذا يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل، ربنا تقبل من إنك أنت السميع العليم. ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا منا سكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم).
والحجر الأسود الذي يعتقد بعض المؤرخين أنه ربما كان من رجوم السماء، فإذا صح هذا الاعتقاد، فلا بد أم يكون قد بصر به أحد وهو نازل من الجو. والبئر زمزم التي تنبع من بين الصخر. وأي منظر الماء ينبحس من بين الحجر الصخري الأصم كأنه الحياة من الموت! وقد اشتق لها اسمها (زمزم) من صوت تفجرها وهدير مياها. ويتفق أكثر المؤرخين على أنها قد تفجرت من تحت أقدام هاجر زوجة إبراهيم وابنها إسماعيل بعد أن أشرفا على الهلاك، فكانت لهم حياة وشفاء من الله.
وقد عظم العرب الكعبة وقد سوا البئر والحجر الأسود منذ آلاف السنين، إذ كانوا يحجون إليها تقرباً إلى الله وعبادة له. وكان من حج القبائل أن أنشئت مدينة مكة وسط هضاب مقفرة وتلال من الرمال مجدبة وعلى مسافة من البحر بعيدة، إذ كان كثير من الحجاج يطلبون المأوى فلا يجدونه، فأنشأوا هذه المدينة ليأووا إليها زمن الحج، فكانت تلتقي فيها التجارة من أول يوم يلتقي فيه الحجاج. وعلى مر الأيام وجد جماعة من العرب أنفسهم مجتمعين لأغراض كثيرة تتركز كلها حول الكعبة، فأنشأوا لهم مساكن حولها وأقاموا متيمنين ببركتها محتمين بحرمتها، ومن هذا الوقت أصبحت مكة أهم أسواق البلاد العربية بأجمعها والمركز التجاري المهم بين الشام ومصر وبين الهند، بل بين الشرق والغرب. ولأهميتها في ذلك الوقت بلغ عدد سكانها في بعض الأحيان أكثر من مائة ألف، بين تجار