للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الرجوع]

إن ما ندعوه (قضاء) ليس إلا ما نقضيه على أنفسنا

(ميخائيل نعيمة)

بقلم الأديب عبد الوهاب الأمين

لم يكن صبياً غراً عندما فتنته تلك الغادة، بل لقد حاول جهده أن يسيطر بعقله على جموح تلك العاطفة، فغره لأول وهلة شيء من النسيان أحس به، وظن أن الوقت قمين باستئصال ذلك الحب الفاسق، وطاوعته نفسه بعد أسابيع أن يمزق صورتها ليلقيها في الموقد أمامه، وقد عاوده طيف (العائلة) والزوج الحنون، وأطفاله في الغيب، وبسمة السعادة التي ستشيع على الوجوه، فتنهد!

وكان دائم اللجاجة في (التحليل)، فخيل إليه أن الأمر بلغ نهايته، وإن جذوة الشباب فيه قد قرت، وما عليه إلا أن يحنو على زوجته فتحنو عليه، فيثمر ذلك الحنو حباً شريفاً. . . لا ذلك الحب المجهد، حب المومس الذي تثيره غلمة وتقتله كلمة! وأنه بعد هذه السنين الثلاثين جدير به الإقلاع عن إجهاد نفسه وعاطفته الجامحة بالتطوح في مثل هذه المجازفات!

وماله قد فتنه تصوير! ألا يجوز أن يكون ليد المصور الفنانة فضل في هذه الفتنة وهذا السحر؟ بل هذا هو المنطقي المعقول، فليس لإنسانة أن تمتلك مثل هذه النظرة المغرية، وهذا السحر الفاتن! إنها ولاشك فعلة الرسام!

وأطل عليه وجه زوجته في تلك اللحظة، فتمثل فيه الطهارة والإخلاص، وابتسم على رغمه لأن روحه الشابة المرحة لم تطق أن تقاوم البشر المنطلق من عينيها، والطرب الشائع في نظرتها! ورمته بقشر وهربت! وانهزم معها فرحها الحي الطروب! فتمثل لخياله الفرق بين هدوء حياته هذه التي سيقبل عليها، وجموح تلك التي عزم على فراقها، فاستشعر شيئاً من الحزن طاف به على هذا الفراق، وسرت في ذهنه صور سريعة من ساعات اللذة واللهو يكاد ينسخها مر الأيام. . . غير أنه عاوده شعوره بقوة عزمه السابق ومسؤولية الرجل الرزين الذي سيكونه عما قريب، فمزق بقايا الصورة ورماها في الموقد ونظر إلى اللهب الصغير المتصاعد منه، وشرد ذهنه

<<  <  ج:
ص:  >  >>