تقدمهم الصبي بخفة إلى باب المقصورة وفتحها بتؤدة وعلى فمه ابتسامة متكلفة. وأخذ يفرك يده متظاهراً بالبشر لقدوم (سيده) الذي طالما نفحه بالعطايا الصغيرة التي كانت تتسع وتكبر حسب ما يقوم به من خدمة! وكان يبتهج كلما أبصر (سيده) بصحبة امرأة، فإن وجودها معه يعني ضرورة الحاجة إلى خدمته ورعايته اللتين يستدرهما عند ارفضاض السيد نقوداً يطبق عليها أنامله بخفة، وعلى وجهه تلك الابتسامة التي لقيه مساء اليوم بها، والتي يكرهها (سيده) منه فلا يرفع بصره إليه!
وكان (العِرض) مهماً. والمقاصير كلها ملأى بالمخلوقات الجميلة، وكانت عين الناظر تلقف في كل ثانية وأخرى عضواً بارزاً نسوياً جميلاً بين تلك المناظر السينمائية الخلابة والإعلانات الملصقة على الجدران، وتعلو بين تلك الضجات المختلطة بضعة أصوات ناعمة تتطور بعض الأحيان إلى قهقهات صافية الجرس، تعلوها رنة النعيم!
وكان وهو ينزع عن كتفيه معطفه الثقيل ويدير عينيه بين المقاعد يلحظ أن صوتاً في المقصورة إلى جانبه يرن في أذنه فيترك صدى غير اعتيادي. . . جذاب! ساحر! غير إن انتقاء المقعد شغله وصرف ذهنه هنيهة عن تتبع أثر ذلك الصوت في روحه، ولما جلس أخيراً لم يكن في ذهنه غير ذلك الصوت وصاحبته اللعوب! وبدرت منه - من غير قصد - إلتفاتة إلى المقصورة فاصطدم نظره المستريح بها. . .! نعم هي! وقد ظهرت في ثوبها البهيج أشد فتنة من صورتها، وزاد في جمالها الأخاذ سحر التجمل، فأدرك أن قوته تخونه، وأنه أمام شخص يملك سحراً يزيد على سحر المرأة، فعادت إليه فجأة وبسرعة كل خيالاته التي نسختها عزيمته أولاً، واستعادت مخيلته أويقات التأمل التي كان يقضيها في مناجاة تلك الصورة على أشد وأقوى حالاتها، وأحس وهو يدير نظره عن وجهها الذي بدت عليه البغتة أنه يقتلعه اقتلاعاً، وأن شيئاً من قلبه وحسه قد تعلق بتلك الأهداب السحرية التي زاد جمالها الطبيعي الأخاذ اعتناء خاص بتنسيقها وتجميلها، وأدرك في قرارة نفسه أن سيطرة هذه المرأة عليه أمر محتوم وقضاء لا يرد!
وانتهز فرصة (الفاصلة) فاحتج برغبته بالتدخين وأصر عليها، ثم حسم المشكلة بخروجه من المقصورة، وكان شيء في رأسه يدور ويدور! وهو عراك نفسي بين عاطفتين قويتين لا يكاد يركن لإحداهما حتى تبرز نتائجها ملموسة لعينيه! أيحب هذه المومس وهو يعلم أن