يروع الناظر في الأدبين العربي والإنجليزي شدة ما بينهما من تباعد، وكثرة ما هناك من وجوه الاختلاف، وقلة ما فيها من وجوه التشابه والاتفاق، ولا غرو فان الظرف الجغرافية والتاريخية التي أحاطت بنشأة كل منهما ونموه وازدهاره، وكانت متباينة أي تباين، والعوامل الاجتماعية والسياسية التي تترك آثارها في الأدب كانت متضادة أي تضاد، فجاء الأدبان اللذان هما وليدا تلك الظروف والعوامل مختلفين أعظم اختلاف، في الموضوعات والأساليب والأشكال والأغراض، ولم يتفقا إلا في كل عام من الوجوه التي يستوي فيها جميع الآداب لشيوعها بين جميع شعوب الإنسانية
فالأمة العربية أمة سامية ضربت في فيافي الجزيرة أحقاباً، وترعرع أدبها تحت سماء البادية، ثم خرجت من جزيرتها فورثت حضارات الأمم الشرقية، وأخضعت لسلطانها أغنى بلاد الشرق وسيرت تحت لوائها شعوباً أرقى منها مدنية وأعرق في العلم والصناعة ودانت لحكومة ملكية مطلقة، وكان الدين أساس دولتها وشارة مجتمعها؛ والأمة الإنجليزية أمة آرية خرجت من جزيرتها المنعزلة فجولت في البحار، وشاركت في تراث الإغريق والرومان، واعتنقت المسيحية، وساهمت في الحضارة الأوربية، وتمسكت بنظام الحكم الديمقراطي؛ فهما أمتان مختلفتان في الجبلة ونوع المجتمع ومتجه التفكير، فاختلفت أدباهما تبعاً لذلك، ولم يتفقا كما تقدم إلا في وجوه عامة ومناح عارضة:
فعصر الجاهلية في تاريخ الأدب العربي شبيه بعصر ما قبل اليزابث في التاريخ والأدب الإنجليزيين: ففي ذينك العصرين كان كل من الشعبين يعيش داخل جزيرته في عزلة كبيرة عن العالم. على حال شبيه بعصر الأبطال في بلاد اليونان الذي أنتج ملاحم هوميروس، وكان الأدبان تبعاً لذلك جافين، وعرى اللفظ والأسلوب، ساذجي المعنى، بعيدين عن الصناعة الفنية، وكانا أقل رقياً من الأدب الفني الذي جاء في العصر التالي، وإن يكن