للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[القصص]

قصة مصرية

الخبز الرخيص

. . . وفتح الفتى عينيه - وكان يغمضهما كأنه يحلم - وألقى نظرة أخرى على ورقة من ورق الرسائل الأزرق منشورة أمامه.

ولم يكن يدري كم من الوقت مر عليه وهو - على حالته هذه - أمام مكتبه، والقلم في يده، وعيناه مغمضتان، ورأسه يحس انه يوازن كرة الأرض ويدور دورانها.

واعتمد بجبينه على راحة يده اليسرى، وأرسلها نظرة تائهة إلى الفضاء الذي يمتد أمام نافذته، وأخذ يستعيد ذكريات ساعات قريبة:

تذكر انه كان جالسا يقطع ساعة من ساعات الفراغ والوحدة المملة بالقراءة والتفكير، فسمع الجرس يدق خمس دقات - تتصل ثلاثتها الأولى وتقفوها دقتان منفصلتان - فأسرع إلى الباب يفتحه، وقد افترت شفتاه عن ابتسامة للوجه الذي سيطالعه، إذ كانت هذه الدقات سراً بينه وبين فتاته اصطلحا عليها، رفقا بأعصابه التي لم تكن تتحمل، حين يكون في انتظارها، أن يدق الجرس ثم لا تكون هي الطارقة.

دق الجرس دقاته الخمس، ولكنه حين فتح الباب تقدمت إليه فتاة أخرى - لا عهد له بها - تبتسم ابتسامة ناقصة، فحار في تعليل هذا ولم يكد يبدأ التفكير حتى تقدمت إليه صاحبته - وكانت تختفي وراء مصراع الباب المقف - وهي تقول ضاحكة: (أقدم لم صديقتي فتحية) فمد لها يده يحييها، ونظر لفتاته عاتبا وهو يقول: (يا شقية! متى تدعين هذا العبث؟)

وجلسوا ثلاثتهم وجعل الفتى يضحك ويتحدث كما هي عادته مع صديقته وصاحبتها، إلا انه كان يخيم على مجلسهم شيء من الفتور لم يكن يدري له سببا. وكان يبدو على وجه الفتاتين كثير من التردد والانتظار، ففترت رغبته في الحديث وودلو يعلم ماذا تكون النهاية

وكانت كلمات تحار على شفتي فتاته أمضها كتمانها، فقامت وخطت خطوتين إلى النافذة، وأطلت منها وعادت إلى حيث كان جالسا وعلى محياها دلائل العزم والتصميم وقالت:

- حقي! (وهذا اسم الفتى) هات ورقة وقلما!

- ماذا تصنعين بهما

<<  <  ج:
ص:  >  >>