أثبتت مرفقيها فوق المنضدة، وأسندت رأسها بكفيها وعيناها السوداوان شاخصتان نحو نقطة مجهولة وهي تفكر، وكان نظرها الحاد يرسل شعاعاً زاد لمعانه سواد المقلتين ولون الكحل والحالك.
وها قد مضت بضع دقائق بدون أن تمس شفتاها هذا القدح البلوري وتذوق هذا الشراب السائغ.
لمَ كانت غارقة في بحر عميق من التفكير؟ وما الذي كانت تفكر فيه؟ وما عسى أن يدور في هذا الرأس المتوج بالشعر الأصفر المقصوص على آخر (مودة)؟ وهل هي كاذبة حتى تفكرها العميق يا ترى؟ وهل يحاول هذا الرأس أن يخدع نفسه أيضاً؟
نظرت إليها نظرة الفاحص المدقق، فوجدتها قد غيرت شكل حاجبيها بالنقوش والتخطيط الأسود فحرمته تلك الصورة الطبيعية التي صورها الخالق فيها. أما الحمرة التي تبدو على وجنتيها فلم تكن ذلكم اللون القرمزي الذي ابتدعته يد القدرة فيها، بل كانت مفعول الأصباغ، وأضاع هذا أيضاً شكله الطبيعي. ونظرت إلى شفتيها فإذا لونهما ليس ذلك اللون القاني الذي أودعته يد القدرة في شفتي حواء!. . ثم استمعت إلى حديثها فإذا صورتها ليس ذلك الصوت الملائكي الذي كانت تناجي به أمها وهي في المهد صبية، بل يكاد يكون خشناً من تأثير الخمر والسهر.
- فيم تفكرين؟
ظلت جالسة في مكانها لا تتحرك ولا تتململ ولم تجب على سؤالي هذا بغير أنة طويلة.
- أوه. . .
ولو كان بين ذرات الهواء بارود لأشعله هذا الشهيق الذي خرج من صدرها كما يشتعل الغاز إذ تمسه نار.