للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[نهاية المجد الإنساني]

لدانيل ديفوا

(١٦٦١ - ١٧٣١)

رسالة كتبها لإحدى الصحف بمناسبة موت الدوق مارلبرو

سيدي:

لقد أكببت أخيراً على درس التاريخ، وطالعت حياة عظماء القرون الماضية كالاسكندر الأكبر ويوليوس قيصر وأوغسطس العظيم، وكثيرين غير هؤلاء وهؤلاء ممن تواردوا بعدهم حتى لويس الرابع عشر الكبير، بل وحتى أعظمهم وأكبرهم (جون دوق مارلبرو)!! ولقد مررت في طريقي بتيمورلنك حصاد الرؤوس، وبتمور نبيجوس المصري، وبسليمان الكبير، ثم بغير هؤلاء من سلاطين آل عثمان، فإذا قد كتب عنهم جميعاً الواحد تلو الآخر بعد الآثار العظيمة التي خلفوها: (ثم مات)!!!؛ جميعاً أموات!؛ أموات!؛ أموات!؛؛ و (الموت) هو نهاية كل منهم!! فالبعض يرقد في مهد الشرف! والبعض على سرير الخضوع الذليل! هذا قد مات شجاعاً في ساحة الشرف! وذاك قد تردى في هوة المجد أثناء عاصفة الهجوم! البعض هنا والبعض هناك! تختلط عظام الشجاع الصنديد منهم بعظام الجبان الرعديد! وبقايا البطل الجريء ببقايا النكرة الدنيء! يرقدون هناك في أكفان النسيان تحت أنقاض الثرى؛ لا يتميز واحد من الآخر ولا يباينون التراب في شيء!)

(ترقد هذه الساعة الدقاقة المفاخرة مختلطة بالأقذار؛ وهي التي كانت (عظيمة) فظنت نفسها عارفة مقتدرة!) كم آلاف من الأبطال يرقدون في هذا العالم أكواماً متناثرة؟ كم يجرف الريفيون عظامهم بمحاريثهم وكم يسحقها العمال بفؤوسهم؟ بل لكم تحول الأرض أنبل وأسمى أعضائهم إلى ما يستعمل في أحط المنافع! لكم مزجنا رماد الأبطال بطلاء منازلنا؟؛ ولكم خلطنا رماد قائد روماني بملاط حظيرة للخنازير! أين رفات (قيصر)؟ أين بقايا (بومبي) وانقاض (سيبيو) و (هنيبال)؟؟ كلهم قد تلاشوا!! اندثر رمادهم ولم يعد مكانهم يعرفهم! لست تراهم إلا في الكتب الباقية لشعرائهم ومؤرخيهم؛ والرسائل الكثيرة لمداهنيهم ومتملقيهم الذين صوروا لنا الأشخاص لا كما كانوا حقاً! بل كما كان يحلو لهم أن

<<  <  ج:
ص:  >  >>