لعمري ما رأيت الجمال مرة إلا كان عندي هو الألم في أجمل صوره وإبداعها؛ أتراني مخلوقاً بجرح في القلب؟
ولا تكون المرأة الجميلة في عيني إلا إذا أحسست حين أنظر إليها - أن في نفسي شيئاً قد عرفها، وأن في عيني لحظاتٍ موجهة إلي، وإن لم تنظر هي إلي
فإثبات الجمال نفسه لعيني، أن يثبت صداقته لروحي باللمحة التي تدل وتتكلم؛ تدل نفسي وتتكلم في قلبي
كنت أجلس في (إسكندرية) بين الضحى والظهر في مكان على شاطئ البحر، ومعي صديقي الأستاذ (ح) من أفاضل رجال السلك السياسي، وهو كاتب من ذوي الرأي، له أدب غض ونوادر وظرائف؛ وفي قلبه إيمان لا أعرف مثله في مثله قد بلغ ما شاء الله قوة وتمكنا، حتى لأحسب أنه رجل من أولياء الله قد عوقب فحكم عليه أن يكون محامياً، ثم زيد في الحكم فجعل قاضياً، ثم ضوعفت العقوبة فجعل سياسياً. . .
وهذا المكان ينقلب في الليل مسرحاً ومرقصاً وما بينهما. . . فيتغاوى فيه الجمال والحب، ويعرض الشيطان مصنوعاته في الهزل والرقص والغناء، فإذا دخلته في النهار رأيت نور النهار كأنه يغسله ويغسلك معه، فتحس للنور هناك عملاً في نفسك
ويرى المكان صدراً من النهار كأنه نائم بعد سهر الليل، فما تجيئه من ساعةٍ بين الصبح والظهر إلا وجدته ساكناً هادئاً كالجسم المستثقل نوماً، ولهذا كنت كثيراً ما أكتب فيه، بل لا أذهب إليه إلا للكتابة. فإذا كان الظهر أقبل نساء المسرح ومعهن من يطارحهن الأناشيد وألحانها، ومن يثقفهن في الرقص، ومن يرويهن ما يمثلن، إلى غير ذلك مما ابتلتهن به الحياة لتساقط عليهن الليالي بالموت ليلة بعد ليلة
وكن إذا جئن رأينني على تلك الحال من الكتابة والتفكير، فينصرفن إلى شأنهن، إلا واحدة كانت أجملهن. وأكثر هؤلاء المسكينات يظهرن لعين المتأمل، كأن المرأة منهن مثل العنز التي كسر أحد قرنيها، فهي تحمل على رأسها علامة الضعف والذلة والنقص، ولو أن امرأة