احمد أبو الفرج الدمنهوري الشاعر الأديب، ظريف الجملة والتفصيل، حلو النادرة والفكاهة، انجذبت إليه النفوس وألفته القلوب على دمامته وغرابة شكله. ولد بدمنهور ونشأ بها في ضنك وحرقة حال، ولم يكن مشتغلاً بالأدب في أول أمره، ثم لازم الشيخ محمداً الوكيل القباني أحد أدباء دمنهور المشهورين وعليه تخرج في النظم، وصحب أيضاً الشيخ حميده الدفراوى، وهو أديب لكنة لا يبلغ درجة الوكيل، ولم يحضر المترجم العلم على شيخ، بل كان يلازم مجلس الوكيل ولا يفارقه ليلاً ولا نهاراً فيكتب عنه كل ما يسمعه من شعر ونثر ونادرة ثم يستظهره، أخبرني ثقة أنه اجتمع بدمنهور حوالي سنة ١٢٨٥ فرآه شاباً نيف على العشرين مخفوض الجانب كثير التواضع لا يستنكف من خدمة الوكيل المذكور وحمل المصباح أمامه إذا سار ليلاً.
ثم نظر المترجم في كتب الأدب ودواوين الفحول وبدأ ينظم الشعر فكان يعبث بالبيت والبيتين، ثم نظم بعد ذلك القصائد والمقطعات، إلا أنه كان قليل الإجادة كثير الخطأ واللحن، يتكلف التجنيس والتورية، وأحسن شعره ما نظمه في المجون وضمنه ألفاظ العيارين والشطار. وكان حضوره إلى القاهرة صحبة الوكيل، فأوصله إلى السيد عبد الخالق بن وفا شيخ السادات الوفائية فأعجب بظرفه ومجونه، وكان ينزل عنده كلما حضر إلى القاهرة، وهي إذ ذاك غاصة بالأدباء والأعيان وفي الناس بقية، فكانوا يهشون له ويتهادونه إذا حضر، ويراسلونه إذا غاب، فحسنت حاله قليلا بما كان يناله من هباتهم. ثم اتصل بشاهين باشا كنج في طندتا لما كان مفتشاً على الأقاليم سنة ١٢٩٣ فانتظم في حلبة ندمائه، واختص به وواساه وجعله طرفة مجلسه، وجمع له من أغنياء البلاد مبلغاً وافراً اشترى به عقاراً ورمم داره بدمنهور، واجتمع عند شاهين باشا بعبد الله أفندي نديم الشهير وغيره من خاصة أهل الفضل والأدب، ثم نقل شاهين باشا إلى منصب آخر بالقاهرة فصار المترجم يتردد عليه ويقيم عنده الأيام والأشهر يجتمع في أثنائها بغيره من الكبراء وذوي الوجاهة فيهدي إليهم مدائحه ويتحفهم بطرائفه