للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[فتح مصر]

كما صوره الأديب المجهول

للدكتور زكي مبارك

دخل العرب مصر يوم الجمعة مستهل المحرم سنة عشرين لهجرة الرسول، على خلاف في ذلك لا يغير الجوهر من موضوع هذا الحديث

ولم تكن مصر بعيدة عن أذهان العرب في الجاهلية، فقد تحدث القرآن عن أخبار مصر بإفاضة وإطناب، ذلك يشهد بأن العرب كانوا يسايرون ما يقع في مصر من حوادث وتقلبات، ومن هنا كانت الحكمة العالية في عناية القرآن بالتحدث عن مصر وملوك مصر وهو يدعو إلى الاعتبار بمصاير الجبابرة والظالمين

كان العرب يعرفون مصر قبل الفتح، وكانوا ينزحون إليها من وقت إلى وقت، طلباً للغنى والثراء. ومن شواهد ذلك شدة القرب بين اللغة العربية واللغة المصرية، وهو قرب يؤيده الاتحاد في ألفاظ كثيرة تعد بالمئات، ألفاظ نطق بها العرب والمصريون مع تشابه في الجرس والمدلول، وذلك لا يقع بين أمتين عن طريق المصادفات، وإنما هو برهان على قوة التعارف فيما غبر من عهود التاريخ.

والحق أن الفترة التي سبقت ظهور الإسلام كانت من مواسم اليقظة العربية، فكانت للعرب سفراء من التجار بأكثر البلاد التي فتحت في أيام الخلفاء، ولا سيما مصر والشام، فمن العسير أن نصدق أن مصر لم تخطر في بال العرب إلا قبيل سنة عشرين وكانوا يعرفون في جاهليتهم أنها أعظم مصادر الخيرات والثمرات، وأنها الطريق إلى أفريقيا الشمالية، وبأفريقيا الشمالية أقطار تسامع بها العرب ودخلت في أساطيرهم قبل الإسلام بأزمان

أقول هذا - وهو حق - لأثبت أن ما سطر التاريخ من أخبار فتح مصر لم يكن إلا من صنع الأديب المجهول، فمن هو ذلك الأديب؟

في الأدب العربي عشرات أو مئات الأدباء المجهولين، فالذي سطر خطب وفود العرب على كسرى أديب مجهول، والذي دون مشاورة المهدي لأهل بيته أديب مجهول، والذي ألف رسالة الطير والحيوان بين رسائل إخوان الصفاء أديب مجهول، والذي حرر المساجلة بين المقوقس وعبادة بن الصامت يوم حصار حصن بابليون أديب مجهول، فماذا صنع هذا

<<  <  ج:
ص:  >  >>