في يوم الأحد السابع والعشرين من جمادى الآخرة سنة ٤٨٨هـ (يولية سنة ١٠٩٥م) ولد أسامة بن منقذ في أسرة توارثت إمارة (شيزر) وهي مدينة في الشمال الغربي لحماة، تبعد عنها خمسة عشر ميلاً، وتقع على هضبته يحيط بها نهر العاصي من جهات ثلاث، وتنهض فيها قلعة شامخة حصينة، وكان لهذه القلعة قيمتها في عصر الحروب الصليبية، لمركزها الحربي الحصين، ومكانها بين الولايات السورية، فكانت مطمع الطامعين من أمراء المسلمين والصليبيين.
ولد أسامة لأب صالح يقضي وقته بين تلاوة القرآن، والصيد في النهار، ونسخ كتاب الله في الليل، ووالدة شهرت بالشجاعة، والنخوة، والأقدام، وقد تركه والده منذ صغره يقتحم الأخطار، ويركب الصعب من الأمور، فلا ينهاه عن أن يمضي إلى حية يحز رأسها، ويلقي بها في الدار ميتة، وهو ثابت رابط الجأش، ولا يحول بينه وبين مصارعة الأسود بشيزر، وقتل ما يصرعه منها، وهكذا شب جريئاً لا يهاب. ومما ساعده على ذلك أنه كان يشترك مع أبيه في رياضته المفضلة عنده وهي الصيد.
إلى جانب هذه النشأة التي تعد للحرب والنضال، تلقى أسامة الثقافة التي كان يتلقاها الأمراء في ذلك العصر، فدرس الحديث والأدب، والفقه، والنحو، واللغة، وحفظ الكثير من الشعر، وأخذ من ذلك بنصيب واف، يشهد له به كتبه، وما ضمنت من أحاديث كثيرة، متنوعة الأغراض، ومن مأثور كلام البلغاء من المتقدمين، وما استشهد به من شعر ومنثور، وما أورده في شعره من ألفاظ لغوية استعملت في معانيها الدقيقة مما لم يكن يجري إلا على أقلام كبار البلغاء، أخذ ذلك عن كبار الأساتذة، كما كانت البيئة التي عاش فيها بيئة أدبية ممتازة، فقد كان الأمراء من بني منقذ ممن يقصدهم الشعراء والأدباء، كما أنهم كانوا علماء شعراء، ويحتفظ الأدب بكثير من أشعار أبيه وأعمامه وأجداده.
كان أسامة أثيراً لدى عمه أبي العساكر سلطان حاكم (شيزر) ولما لم يكن له عقب اتخذ أسامة ابناً له، وكان يرى فيه الأمير المستقبل لشيزر، ووارث الملك من بعده، فكان يكلفه