للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

من الأمور ما يتطلب شجاعة وجرأة. واشترك أسامة في المعارك التي دارت بين أسرته وبين الصليبيين دفاعاً عن مدينتهم شيزر. وعاش أسامة في تلك المدينة بين حب والده وعطف عمه، غير أن هذا لم يلبث بعد أن رزق أولاداً في آخر أمره، أن دب الوهن والفتور إلى العلاقة التي تربطه بأسامة، وبدلاً من حبه وعطفه عليه، بدأ الحسد والحقد يأخذان مكانهما من قلبه، خوفاً على أولاده من مكانة أسامة، وحذرا أن يئول الملك إليه دونهم، فمضى أسامة إلى الموصل لدى عماد الدين زنكي الذي صار أكبر أبطال الحروب الصليبية في وقته، وأول خطر حقيقي داهم للصليبيين، فأنتظم أسامة في جنده، وحارب تحت قيادته في عدة معارك، ولكنه لم ينس وطنه الأول شيزر، عندما هاجمه الإفرنج والروم، سنة ٥٣٢هـ (١١٣٨م)، فقد مضى إليه، وأبلى بلاءً حسناً في الدفاع عنه. وربما كان قد عزم على البقاء في شيزر بين أهله الذين فقدوا والده سنة ٥٣١هـ، غير أن عمه أبا العساكر لم يرض عن مقام أسامة بشيزر، فقد أيقن أنه أصبح خطراً على ملكه، وأن ليس لأبنائه سلامة إذا ظل أسامة في شيزر، فأمره وأخوته بالرحيل، فتشتتوا في البلاد، وكان في ذلك الخير لهم، فأنهم نجوا من الزلازل التي هدمت شيزر، وقضت على بني منقذ بأسرهم وذهبت بملكهم سنة ٥٥٢هـ.

مضى أسامة يوم أخرج من شيزر إلى دمشق، واتصل بحاكمها معين الدين أنر، واعتمد هذا الحاكم على أسامة في تصريف الشؤون السياسية، وقد نجح أسامة في ذلك نجاحاً رفع مكانته في دمشق، واستطاع في تلك الحقبة أن يتصل بالإفرنج عن قرب وأن يعرف الكثير من عاداتهم وأخلاقهم، ولكن المقام لم يصف لأسامة بدمشق. ويظهر من القصيدة التي أرسلها إلى معين الدين أنر يعاتبه فيها - أن السر في نبو المقام بأسامة يعود إلى وشايات حملها الساعون إلى معين الدين فصدقها، فأنحرف قلبه عنه، يدلنا على ذلك قول أسامة:

بلغ أميري معين الدين مالكة ... من نازح الدار، لكن وده أمم

هل في القضية يا من فضل دولته ... وعدل سيرته بين الورى علم

تضييع واجب حقي بعد ما شهرت ... به النصيحة والإخلاص والخدم

وما ظننتك تنسى حق معرفتي ... (إن المعارف في أهل النهى ذمم)

ولا اعتقدت الذي بيني وبينك من ... ود، وإن أجلب الأعداء ينصرم

<<  <  ج:
ص:  >  >>