أحب الطواف بأنحاء العاصمة ليلة الجمعة من كل أسبوع فأسير أينما اتجهت بي قدماي لا أدري متى أقف ولا من أي طريق أعود، ولقد أقصد أحياناً إلى حيث تقوم دور الملاهي، وأنا لسوء حظي أو لحسنه - حسبما يرى القارئ - أجدني أبداً غريباً في ذلك الحي، بل إني في الواقع غريب في المدينة كلها على الرغم من أني قضيت فيها من عمري سنين!
وعين الغريب كثيراً ما ترى مالا تراه الأعين التي ألفت ما تقع عليه. ولعل هذا هو الذي يحبب إلي ذلك الطواف الطويل. ولقد كانت آخر مرة طفت فيها بذلك الحي ليلة الجمعة الماضية. . . على أني وددت ليلتئذ لو أن قدمي سارتا بي إلى مكان غير ذلك المكان، فلقد كنت أحس شيئاً من الهم على الرغم من أن جيبي كان لا يزال عامراً بمرتبي الذي تناولته قبلها بيوم، وخشيت أن يؤثر ذلك الهم في تصوير ما تقع عليه عيناي
ووقع ما خشيته فأنا أرى كل شيء بقلبي لا بعيني. فها هي ذي مناظر شاهدت مثلها كثيراً ولكنها تزيدني هماً على هم
هذه (شلة) من الرفاق أنستهم جيوبهم التي أحسب أنها كانت لا تزال عامرة مثل جيبي، وأنساهم شبابهم ما يجدر بأمثالهم من (الأفندية) فأخذوا يتصايحون ويهوشون وينادي الواحد منهم صاحبه بأفظع ما يتصور من عبارات السباب كأنما راحوا يتنافسون في فحش القول. . . ولمحني أحدهم وهو يعرفني، وقد عرفته من قبل وقوراً هادئاً فاندس من الخجل واختفى في أصحابه
ودرت بعيني، ولكنهما وقعتا على قوم آخرين أراهم أجدر من سالفيهم بالوقار والتحشم، فإن ذلك مما تقضي به على الأقل طرابشهم (الميري) وسراويلهم التي تزينها الأشرطة الحمر المهيبة، ولكنهم كانوا أكثر من السابقين تهريجاً وتبذلاً. ولا عجب فهم فرحون مزهوون بهذه الملابس التي باتوا يخطرون فيها على أعين الناس.
ولكم كنت أضيق بهم حينما كانوا يزحمون الغادين والرائحين وعلى الأخص الغاديات والرائحات. . .
والتفت على صوت هرج شديد فرأيت في مقهى قريب معركة حامية وعلمت من أمرها أن