[جيرة محمودة]
للأستاذ فخري أبو السود
حتَّام أنت مجرجرٌ متلاطم ... يطوى عبابُك أعصراً وقرونا؟
ماذا يعي يا بحرُ صدرُك لو حَكَى؟ ... لكن أراه بما وعاه ضنينا
متدافع التيار ليلَ نهارَ لا ... بالصمت لُذْتَ ولا أَراك مُبينا
أبداً تجيء الشطَّ منك كتائبٌ ... دَآبَةُ التَّرْدَادِ لَسنَ يَنيِنَا
تغزو غواربُها الرمالَ وتنثنى ... تغزو من الصخر الأَصمِّ مُتُونا
مُبْيَضَّة الأثباج في تهدارها ... يَبْرُزْنَ حيناً في البياض فحينا
لاعَنْ مَشيب أو سنينَ تصرمت ... فَلَكَمْ أّذابتْ في الأجُاج سنينا
ولقد يكاد أُجاجُها من حُسنه ... يبدو فراتاً للظِّماء مَعينا
البحر فتَّان وإِن هو لم يُنِلْ ... رِياً ولم يُطْلِعْ جَوَاريَ عِينا
إِن لم يكن رِيَّ الظِّماءِ فإِنه ... بالحسن يروي أنفساً وعيونا
بروائع الألوان فيه تآلَفَتْ ... ونوافح النسمات إذ يسرينا
وَيُرَى مَسَارِحَ للعيون ومَبْعَثاً ... للذكريات كموجه يأتينا
كم طَالَعتْهُ الشمس ثمَّ أَجَنَّها ... سرِّاً وراء عبابه مكنونا
إِني شهدتُ الشمسَ عند شروقها ... من خلف لُجَّتِهِ تشعّ جبينا
ورأيتُ مًغرِبها به وضياؤُها ... ملءُ الجوانح لهفة وحنينا
يهوي خضيبُ شعاعها من أفقها ... ويذوب في لُجَجٍ به يَزْهُونا
والشمسُ أكرم رُاحل ودَّعْتُهُ ... أَطوى عليه حسرةً وشجونا
وَأَحَبُّ مُرْتَقَبٍ لِعًوْدٍ لم يذُذْ ... عن وجهه الوضَّاءِ مُرْتَقِبينَا
تَأْتِي وتَذْهَبُ في لطاف غلائل ... متجدداتٍ بهجةً ورُقُونا
هاتيك آياتُ الجَمَال تَخِذْتُها ... صَحْبي ونعم مدى الزمان خدينا
وتخذتُ هذا البحر جاراً لي إذا ... ما عفتُ جاراً أو مللتُ قرينا
وحمدتُ جيرته وثرثرةً له ... دَوْماً تَدَاوَلُ مَسْمَعَيَّ رَنينا
يَحْبو شواطئه صفاء طباعه ... ويفيض بشراً دونها وَيَمِينا