في هذا الميدان العظيم من دعاية صاخبة بين الأمم والجماعات، دعاية تثور وتصخب وتقوى وتشتد حتى تشمل العالم جميعه، وتأخذ بمجامع القلوب، وتفتن الألباب - في هذا العالم المائج المضطرب بالفتنة والحروب. يقف الشرق الإسلامي هادئا متثاقلا كأنه حاشية من جرم المريخ لا وسط من هذه الأرض. هدوء غريب كأنه مركز الإعصار الفارغ من حوله الحركة والهياج والدوران. إن العالم اليوم يقف على منقطع من جادة الحياة، ولابد لكل أمة أن تسير فتجتاز هذا المنقطع، وإن لم تفعل أنت بها الطريق وتعرضت للفناء. وفي هذه الفترة القصيرة من تاريخ البشرية لا تكاد تجد أمة لم تأخذ من الحياة الجديدة بنصيب، أو لم تنتفع من هذه الظروف القائمة الانتفاع الذي لم تحلم بمثله من قبل. والدعاية التي خلقتها عوامل الحرب الناشبة من أهم ما أفاد الأمم وأتاح لها التعريف بنفسها، والتقدم بما تملك من مواهب وثروة، وما تعاني من متاعب ومصاعب، وسوف لا تنتهي هذه الحرب حتى تهتدي كل أمة إلى مكانتها من العالم وقيمتها في الوجود، وتجد أحسن الحلول لمشكلاتها في السياسة والاجتماع والاقتصاد
إننا نريد من هذا الخلوص إلى موضوع جدير بالعناية والبحث، له من العناصر والظروف الحاضرة ما يوجب الالتفات إليه والاهتمام له. أعني بذلك القرآن من حيث هو كتاب عالمي يكون أساساً للدعاية إلى مبادئ الإسلام، وعرضه على العالم عرضاً يوائم أساليب العصر الحديث. فالإسلام بوصفه ديناً عالمياً، له من قواعده وأخلاقه ما يجعله سهل الفهم والقبول بين الجماعات البشرية في كل زمان ومكان. وذلك ما يسهل إعلانه والدعوة إليه. إن أحوال العصر الحاضرة تتطلب مجاراة العالم والدخول معه لا في ميدان الحرب، ولكن في ميدان السياسة والاجتماع. وإذ كان العالم اليوم يبحث عن أجدى الحلول لمعضلة الإنسانية الحاضرة. فإن الإسلام ليجد من نفسه الكفاية لعرض أنفس المبادئ التي يعتقد أن فيها ما يساعد على شرح الأزمات الإنسانية وعلاجها علاجاً يضمن لها السلامة والشفاء. ولقد جرب العالم نظريات شتى بعضها خاب وبعضها نجح نجاحاً ضعيفاً، ولكن الإسلام