عاش أبو الفضل أحمد بن الحسين الهمذاني أربعين عاماً أمضى شطرها نائياً عن بلده وعشيرته في طلب المجد والغنى، فبلغ ما أراد. نبه ذكره واتصل بمعظم الأمراء والوزراء في الشرق: شمس المعالي قابوس بن وشمكير، وخلف بن أحمد، وبني قريفون، وبني ميكال والسلطان محمود، والصاحب بن عباد، والفضل بن أحمد، وأبي نصر من وزراء الدولة الغزنوية. وعرف كثيراً من رؤساء نيسابور، وطوس، وسرخس، ونسا، وبلخ، وهراة. وصار مطمح أصحاب الحاجات يتوسلون به إلى أولى السلطان والجاه، يتبين ذلك في كثير من رسائله. وقد قال في رسالة الشيخ أبي النصر في أمر بعض الفقهاء:(وهؤلاء الصدور، يرون الشمس من قبل أن تدور.) يعني أن الناس يرونه قادراً على تيسير حاجاتهم. وكان له عناية بالأمور العامة يبذل فيها من عقله وجاهه. كتب إلى الوزير الفضل بن أحمد مع وفد من هراة ذهبوا إليه يلتمسون تخفيف الخراج عن أهل مدينتهم، وكتب إلى رئيس هراة في أموال رأى جبايتها حراما، وكتب إلى وزير السلطان محمود في قتل رجل أسمه أبو عثمان: (والله لئن سكن السلطان العظيم وتغافل، وتسامح الشيخ الجليل وتساهل، أن الله بالانتصاف لملى، وأن الله على الانتقام لقوي، والمحنة أدام الله عز الشيخ الجليل في ذهاب ذلك العالم المسلم، دون المحنة في بقاء هذا الظالم المظلم، ولئن ساغ لهذا الفاسق ما فعل ليرخص نجم المسلم، وليراق دم العالم، وليصيرن كل سكين منشور ولاية، ثم ليتسعن الخرق على الراقع، وليس دم المسلم بيسير عند ربه، ولزوال الدنيا على الله أهون من صبه، أليس الله تعالى يقول: من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا: وأنا أعيذ بالله هذه الدولة من أن توصم بتعطيل الحدود، أو توسم بإهدار الدماء، وعسى الله أن يوفق الشيخ الجليل لتدارك هذا الأمر، أن ذلك على الله يسير.
ويقول في الرسالة نفسها: (ورد على خادم الشيخ الجليل كتاب من أقصى خراسان والعراق بحديث تسيار فلان وصاحبه فلان وذكروا معرفتهما بأحوال الثغور، وممارستهما لما يعرض بها من الخطوب، وأن أعين المرابطين والغزاة طامحة إلى نصره، من السلطان العظيم أعز الله نصره وقد بعثوا بهما وفدا وقدرا أنهما يجدانني بالحضرة فأكون لهما لسانا،