بينا في مقالنا السابق كمال الشريعة الإسلامية وسعة مباحثها وعدالة احكامها، ونفينا عنها الشبهة الأولى التي وجهت إليها، وهي قصورها، وأثبتنا وفاءها بحاجات الأمم ومطلبها في كل عصر بما فيها من نصوص محكمة، وقواعد سامية، وأصول على وجه الدهر قائمة
وفي هذا المقال ننظر في الشبهة الثانية، وهي أن العقوبات التي قدرتها الشريعة في الحدود قاسية بل، أسرف بعض الغالين فقال: إنها وحشية لا تتفق مع روح المدينة: فقد حكمت برجم الزاني إذا كان محصنا، وبجلد غير المحصن مائة جلدة، وقضت بقطع يد السارق، وبجلد شارب الخمر والقاذف ثمانين جلدة.
ولدحض هذه الحجة وإزاحة تلك الشبهة تقول: إن جميع الشرائع والقوانين السماوية والوضعية ترمى في غايتها إلى المحافظة على الضرورات الخمس: النفس والعقل والمال والنسل والدين، إذ يترتب على التفريط فيها والاعتداء عليها التنازع والنظام وسفك الدماء وفقد الأمن في الأنفس والأموال والأعراض، وانتشار المفاسد والشرور
ولكن القوانين الوضعية - وبخاصة القوانين الأوربية - تجانفت عن المحجة، وحادت عن الجادة، وتنكبت الصراط السوي، فلم تستطع المحافظة عليها بما دابر يقطع الفساد، وذلك لأنها لم تحرم الزنا إلا في حالات معينة، وأباحته عند الرضا في أكثر الحالات محتجة بالمحافظة على الحرية الشخصية، فكانت عاقبة ذلك كثرة اللقطاء الذين حرموا تربية الأباء وشفقتهم، وانتشار الأمراض السرية التي تفتك بالصحة فتكا ذريعا، والأحجام عن الزواج الذي ترتب عليه بقاء كثير من النساء في حالة من المسكنة والبؤس والتعس والشقاء. وفي الحالة المعينة التي حرمت فيها الزنا لم تفرض إلا أيسر العقوبات، فظلت الحال على ما هي عليه من انتشار البغاء وتمكن الشر والفساد
أما الاحتجاج بالحرية الشخصية فمردود، فأن من القواعد المسلم بها إن للإنسان مطلق الحرية الشخصية إلا فيما يعود بالضرر على نفسه أو على غيره. وقد ثبت بالتجربة والمشاهدة أن الزنا ضار بالزانيين صحيا وادبيا، ثم يتعدى الضرر منهما إلى غيرها من