(. . . وبعد فإنني أحد دارسيك، ومن طليعة المعجبين بغزارة علمك وقوة أدبك وسموه، ووفرة إنتاجك وتنوعه، لهذا لا احسبني متطفلاً إذا ما سألتك سؤالاً في موضوع طالما فكرت فيه، وهو: أصحيح ما يقال إن الرحمة من أخلاق الضعفاء، وإنها أبعد الصفات عن الأقوياء، وإن الإنسان كلما ازداد قوة ازداد قسوة؟. . . فهل تتفضل يا سيدي بالإجابة على سؤالي هذا على صفحات مجلة الرسالة الغراء لأنني من المدمنين قراءتها؟ ولك مني جزيل الشكر سلفاً. . .)
بغداد - شارع الرشيد
عبد الكريم جواد المحامي
وجوابي على سؤال الأستاذ الفاضل أن الرحمة قوة وليست بضعف، لأن الرحيم يعطي من فيض نفسه من يحتاجون إلى رحمة، ولا تملك النفس فيضاً تعطيه إلا وهي ممتلئة تستغني عن جزء من ذخيرتها لإسعاف غيرها. وليس هذا من شيمة الضعفاء.
والرحمة كلاءة ورعاية، ومن يكلأ غيره ويرعاه فليس هو بالضعيف.
وينبغي أن نرجع إلى الطبيعة، لنعلم ما هو طبيعي.
ينبغي أن نرجع إلى الطبيعة لنعلم الخلق الأصيل والخلق الذي هو عاهة طارئة أو نقص كمين.
والطبيعة تقول لنا إن الرحمة ركن من أركانها في أداء غرض من أهم أغراضها، بل هو أهم أغراضها على الإطلاق، وهو حفظ النوع وتجديده، وتعهد الأبناء الصغار إلى يوم استغنائهم عن معونة الأولياء الكبار.
فكل والد رحيم بغير اختياره: رحيم باختيار الخالق الذي خلقه وسخره لحفظ نوعه.
وكيف يقال إن الطبيعة تعتمد على الضعف في طلب البقاء؟ أو تعتمد على الضعف في غريزة أصيلة يوشك أن يتلاقى فيها الإنسان وسائر الأحياء، ممن صعد ولو قليلاً على سلم الارتقاء؟.