للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

القصَص

قصة شابة ريفية

المجنونة

للأستاذ علي الطنطاوي

قالت ربة المنزل، وقد حف بها أولادها وأحفادها، وجلسنا نحن على مقعدين نصبوهما لنا في صدر الغرفة:

قالت أصغوا ألي فأني قاصة عليكم الليلة قصة واقعة. شاهدت حوادثها بعيني رأسي. ولا يزال أشخاصها أحياء يرزقون، وليس كل ما تمتاز به أنها واقعة، ففي الواقع كثير من التوافه، ولكنها تمتاز بأنها مؤثرة وان فيها عبرة.

كنت صغيرة لا أكاد أدرك. . .

إذن فالقصة منذ ستين سنة على الأقل!

فرمت المرأة صديقي بنظرة تأنيب على هذه الإهانة التي تلقاها بها، واستمرت في حديثها:

. . . كنت بنت سبع سنين يوم دخل (رظا) أفندي البلد. وأني لا ذكر ذلك بوضوح على الرغم طفولتي وقدم العهد. . . لان بلدنا كان يومئذ معتزل العالم، وكان مرور الجند في البلد. أو زيارة غريب أو سفر أحد الفلاحين إلى دمشق، يعد حادثا تاريخيا يلهج به الفلاحون شهورا. ويتخذون منه مادة لأحاديثهم في أسمارهم، وكان اليوم جمعة فلم يرع الناس وهم منصرمون من الصلاة إلا شبح شخص يلوح في الحرة المحيطة بالبلد، ثم يبدو واضحاً وإذا هو رجل طوال منحن يمسك بيمناه عصا طويلة قد علق بها صرة كبيرة، ويجر بيسراه طفلة له، وكانا يجدان عناء في تسلق هذه الصخور والقفز على هذه الأحجار السوداء الحديدة الجوانب، حتى أن الطفلة سقطت اكثر من مرة. فكان الرجل يقبلها، ويصب في أذنها كلمات حلوة معسولة، ويشير لها إلى البلد، فتعاود المسير يحفزها أمل بارق، في ظلام من اليأس تجمع الناس في رحبة البلد، ينظرون إليهما، وتطوع فريق منهم للأخذ بأيديهما ومساعدتهما، واخذ رجل حماره ليركبهما، وعمد آخر إلى شئ من الخبز والجبن وقمر الدين فأخذه إليهما زاعما إنما قد حطمهما الجوع، وحملت امرأة جرة ماء

<<  <  ج:
ص:  >  >>