للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[البصرة]

للدكتور عبد الوهاب عزام

خرجنا من الناصرية على الفرات جنوبي العراق نريد البصرة يوم الخميس ٣٠ أبريل سنة ١٩٣٦ والساعة ثلاث وعشر دقائق بعد الظهر، والناصرية حاضرة لواء المنتفق بنيت على نظام حسن منذ ثمانين عاماً، وسميت باسم ناصر باشا السعدون رئيس عشائر المنتفق، وبينها وبين البصرة مائة وخمسة عشر ميلاً.

سارت بنا السيارة ثلاث ساعات على حافة بادية الشام في قسمها الجنوبي المسمى بالسماوة، نجد على البعد ريح نجد ونرى الشيح والقيصوم؛ وبينا نحسب الساعات والأميال، تشوقنا البصرة وذكرياتها. قال أحد الرفاق: انظروا إلى شجرة الأثل - هذا أثل الزبير. قاربنا المدينة

مدينة الزبير مدينة صحراوية على مقربة من البصرة الحديثة بينهما نحو عشر كيلات، وكانت في العصور الخالية قسماً من البصرة القديمة، سميت باسم الزبير بن العوام أحد الصحابة قتل بعد موقعة الجمل في وادي السباع على مقربة من المدينة ودفن بها

وسكان الزبير معظمهم نجديون أهل نشاط وتجارة، وقد جلبت إليها الحكومة العراقية الماء من البصرة منذ سنتين وكان شربهم من الآبار

وبها من المشاهد قبر الزبير رضي الله عنه في مسجد كبير، وفي جانب من هذا المسجد قبر عتبة بن غزوان مؤسس البصرة في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنهما. قلت في نفسي: قبر العتبة يذكرني بالفتح والتعمير، وضريح الزبير يذكر بالخلاف والقتال بين المسلمين، وتلك أمة قد خلت. أسأل الله إصلاح النفوس وتأليف القلوب. وخرجنا من مسجد الزبير إلى ظاهر البلد فرأينا قبة صغيرة تحتها قبران: قبر الحسن البصري، وقبر محمد بن يسرين من التابعين، قلت: قد أصطبحا حيين وميتين. وإن الذي يذكر الحسن يملأ نفسه الإجلال والإكبار لهذا الرجل رجل الذكاء والعلم والفصاحة والورع والجرأة في الحق. وقد روي عن ثابت بن قرة أنه قال: ما أحسد هذه الأمة العربية الأعلى ثلاثة أنفس: عمر بن الخطاب والحسن البصري والجاحظ. وقال عن الحسن: كان من دراريّ النجوم علما وتقوى، وزهدا وورعا وعفة ورقة وفقها ومعرفة. . . يجمع مجلسه ضروبا من الناس، هذا

<<  <  ج:
ص:  >  >>