ما كاد العرب يدخلون أرض مصر فاتحين بقيادة السياسي العربي الداهية عمرو بن العاص، وما كاد يتسبب لهم الأمر فيها ويبسطون سلطانهم الديني عليها، وما كاد يدين لهم المصريون بالطاعة عام ٢٠ للهجرة على أكثر الروايات شيوعاً. . . ما كاد يتم كل هذا حتى اتجه نظر ابن العاص رئيس الحكومة العربية المصرية الجديدة في فسطاط مصر صوب القطر السوداني ابتغاء فتحه وضمه إلى خريطة الإمبراطورية العربية الناشئة. وكان ذلك في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب.
ففي عام ٢١ للهجرة أعد والي مصر عمر بن العاص جيشاً مؤلفاً من عشرين ألف مقاتل، وسيره لفتح السودان تحت إمرة القائد العربي المشهور عبد الله بن سعد بن أبي سرح
على أن هذا الجيش الغازي لم يستطع التوغل في الأراضي السودانية، وذلك لوعورة المسالك، وللمقاومة الشديدة التي صادفها من جيش حكومة السودان التي كان مقرها يومئذ (دنقلة العجوز) أي القديمة
ويؤخذ من رواية ابن الأثير أن هذه الغزوة العربية الأولى للقطر السوداني لم تكن موفقة كل التوفيق، إذ لم يتعد الفتح العربي فيها بلاد الشلال التي تقع على التخوم. ثم إن عبد الله بن أبي سرح، ما لبث أن انسحب بجيشه عائداً أدراجه إلى مصر بناء على أمر تلقاء من ابن العاص، وكان ابن أبي سرح قد هادن أهل البلاد المفتوحة على دفع الجزية فكانوا يدفعونها
وقد روى ابن الأثير أن عدداً لا يستهان به من المحاربين العرب قد عادوا إلى مصر وهم مثخنون بالجراح فاقدو الإحداق لكثرة ما نالهم في أبصارهم من نبال الجيش السوداني. ولذلك كان المحاربون العرب يسمون المحاربين السودانيين برماة الحدق
ثم دارت عجلة التاريخ دورتها، فعزل ابن العاص عن ولاية مصر في عهد خلافة عثمان