لعل من أهم عوامل التعثر والاضطراب في التعليم الإلزامي
ما يكتنف فكرته وأهدافه من البلبلة والغموض. ونحن نتقدم
بهذه الكلمة في بيان رسالة هذا التعليم إلى المجلس الأعلى
بمناسبة تناوله إياه بالبحث في اجتماع اليوم
لم يكن عبثاً - وقد خرجت الأمة المصرية في أعقاب الحركة الوطنية ظافرة بالحرية والدستور - أن ينص هذا الدستور على أن يكون التعليم الأولي إلزامياً بالمجان لجميع الناشئة من بنات وبنين؛ لأن هذا النص على إلزامية التعليم، وعلى نشره بين جميع طبقات الشعب بالمجان، هو أول اعتراف بحق هذا الشعب في أن يحيا حياة جديدة فيها ما يبثه التعلم في النفوس من معاني الحرية والكرامة والرقي، وفيها الضمان الوحيد على أهلية هذا الشعب لما أحرزه من النتائج الوطنية، وتثبيت دعائم النهضة القومية، ومواصلة الجهود لتحقيق كل أسباب العزة وشوارد الآمال. . .
لهذا كان مشروع التعليم الإلزامي في مصر أهم مشروع تمخضت عنه النهضة الوطنية الحديثة، لأنه مشروع تتصل أسبابه بجميع أفراد الشعب، ولأنه الدعامة الأولى لكل إصلاح ينتقل بالأمة من حياة الجهل والخمول إلى حياة مستنيرة عاملة، تستقيم بها الأوضاع الاجتماعية وتتعاون فيها الجهود على النهوض بجميع مرافق الإصلاح.
لقد أطبقت ظلمات القرون ومظالم الأحداث على آفاق البلاد حقباً متطاولة، فإذا هذا الوطن الذي أنبت أول حضارة على ظهر الأرض، والذي كان قبلة العالم في علومه وفنونه وآدابه، والذي يفيض نيله عسجداً مذاباً، وتخرج تربته من كل الثمرات، والذي تخلق طبيعته الساحرة بطولة الأجسام والعزائم والعقول - إذا بهذا الوطن الذي توفرت فيه كل أسباب العظمة والخلود، تتدهور الغالبية العظمى من أهله في مهاوي الجهل والفقر