للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[مدينة طرابلس الغرب]

للأديب مصطفى بعيو الطرابلسي

من بين المدن العديدة التي يتردد ذكرها في هذه الأيام على صفحات الجرائد (مدينة طرابلس الغرب) عاصمة الإقليم المعروف باسمها ومقر حكومة لبيا الإيطالية، وهي مدينة إغريقية في اسمها ومعناه المدن الثلاث، وهي (سبراتا وكان البربر يسمونها (زواغة) قبل أن يلقبها العرب (بصبرة)، وهي اليوم تدعى (زوارة)؛ ثم (أوا التي هي أويات في نظر البربر قبل أن يحرفها الرومان إلى اللفظ السابق عند استيلائهم على تلك البلاد، وأخيراً (ليبدس التي لم يبق منها إلا آثار متهدمة تشهد على عظمتها في سابق عهدها، وقد حلت محلها اليوم مدينة (الخمس) العامرة، وأصبح أهالي البلاد يطلقون اسم (لبدة) على تلك الأطلال الخربة

وجدير بالملاحظة أن كلمة (طرابلس) لم تكن معروفة حتى القرن الرابع (ق. م) عندما أطلقها الكتاب الرومانيون على تلك المدن الثلاث السابقة الذكر، ولكن هذه الكلمة تغير مدلولها في العصر البيزنطي، وأصبحت تطلق على (أوا) فقط دون غيرها ولما جاء العرب استعملوها على هذا النحو، إلا أنهم أضافوا إليها كلمة (الغرب) تمييزاً لهذه المدينة عن مدينة (طرابلس الشام)، وكانوا يسمونها أحياناً (أطرابلس) بزيادة الهمزة في أولها، على أن صاحب القاموس قد ضبط اسمها بفتح الطاء وضم الباء واللام وجعل الهمزة من مميزات الشامية، ولكن البكري والتيجاني وغيرهما يرون إلحاق الهمزة بمدينة (طرابلس الغرب)، وهذا ما أرجحه لأن الأهالي إلى وقتنا هذا ما زالوا ينطقونها أحياناً بهذا الشكل

ويرجع تاريخ إنشاء مدينة (أوا) إلى أوائل القرن الخامس ق. م ونظراً لحسن موقعها وصلاحية مرساها للسفن بسط الفينيقيون سيادتهم عليها حتى تتم لهم السيطرة على البحر الأبيض المتوسط؛ ثم ورثهم في هذه السيطرة خلفائهم القرطاجنيون الذين أسلموها بدورهم إلى الرومان على أثر هزيمة قرطاجنة في الحروب البونية خلال القرن الثاني ق. م. ويذكر لنا بروكويبس أحد مؤرخي الرومان أن الوندال عندما استولوا على مدينة أوا (طرابلس الحالية) هدموا أسوارها، ولكن ليس هناك شك في أن البيزنطيين قد أعادوا بناءها عند استرجاعهم لها في عصر الإمبراطور جستنيان بدليل ما نراه من أثر التجديد

<<  <  ج:
ص:  >  >>