ما دخلها قط إنسان إلا انقلب بعد دقائق مهما بدا من هدوئه أول الأمر متحمسا من اشد المتحمسين؛ شهدت ذلك بنفسي وإن قابع في ركن منها أتفرج من وراء منظاري على ما لم استمع بمثله في أية دار من دور اللهو. . .
هي حجرة في ديوان إحدى الوزارات كتب على بابها:(المستخدمين) هكذا بالجر! دخلتها والحر شديد وبنفسي ضيق وضجر فسرعان ما روح عني الضحك المتصل حتى لقد إنساني ضجري كما إنساني ما جئت له. . .
الحجرة صغيرة مزدحمة بالقماطر أو ما يسميه الموظفون بالمكاتب، وعلى كل قمطر ما عدا واحدا أضابير من الورق يعلم الله مبلغ ما قضته كل ورقة حيث رأيتها من عمر. . .
وأمام كل قمطر - ما عدا واحدا غير ذلك الذي خلا من الورق - موظف، وهم جميعا فيما يخيل إلى من أعمارهم دون الأربعين وفيهم من هم دون الثلاثين. . .
وكان أحدهم يقضم قضمات من رغيف أمامه ويأتدم بقطعة من الجبن؛ وكان آخر يطالع في جريدة؛ وكان ثالث يشرب القهوة، واشتغل أربعة بأوراقهم، وبقى واحد لا يعمل شيئا قط فليست أمامه ورقة وليس في يده قلم أو صحيفة أو شئ مما يؤكل أو يشرب وكان ينظر في ساعته بين حين وحين ليرى متى ينصرف. . .
وفهمت انه من (المحاسيب) الذين يعينون لا ليعلموا ولكن ليرتزقوا. . .
ودخل كهل هادئ الحركة فقصد أحد القماطر ورفع صاحبه رأسه فتهجم وتركه إذ رآه، مع أن القادم كان يبسم له ويظهر الاحترام ويختار ارق الكلام؛ ولكن سرعان ما ارتفع صوته وهو يقسم بالله العظيم ثلاثا ويهز سبابته كما يفعل الخطيب انه جاء من اجل مسألته ما لا يقل عن ثلاثين مرة، ولا يدري ما يعمل بعد ذلك. وبلغ به التحمس أن أعلن انه ذاهب من فوره إلى المدير، وقالها بلهجة من ينذر بالموت كأن الذهاب إلى المدير عنده فيه القضاء على الموظف المسكين، وخرج من الحجرة، وما استدار ليخرج حتى اخرج له ذلك الموظف لسانه وضحك هو وزملاؤه ملء أشداقهم. . .
ولم يكد يبتعد خطوة حتى دخل شاب يمسح عرقه عن جبينه وصفحة وجهه بمنديله، ودنا