طوَّح بليسبونة زلزال روَّع النفوس وذهب بكثير الضحايا، فواع فولتير - وهو رسول العطف - أن تعمد العناية الإلهية إلى مثل هذه الوسائل في أعلاه الشر، فهاجم ربوع القائلين بنظرية الخير الشامل، وأين هو الخير؟ ونظم هذه المقطوعة يرثى بها من نكبهم الزلزال، ويتخذ منه برهاناً يؤيده في جحوده العناية الإلهية، ويرى أن الوجود مبنيُّ على الشر والعذاب. وأجابه رو سو على مقطوعته برسالة فلسفية عميقة ينكر عليه هذا الإسراف في التشاؤم، وهذا الاستسلام الأعمى لسلطان العاطفة، ويظهر فلسفة الرضا عن الوجود وعن أنظمته برغم ما يشيع في بعضها من فساد، ويعتقد أن هذا الكون هو خير ما أبدعته فكرة المبدع (إذ ليس في الإمكان أبدع مما كان).
وهذه هي المقطوعة:
(أيها الأموات التعساء! أيتها الأرض الخاشعة!
أنتم يا من قذفتكم قواذف لا معنى لوقعها).
وأنتم أيها الفلاسفة الذين تصيحون في الأرض (ليس على الأرض إلا الخير).
تعالوا معي واهرعوا إلى هذه الخرائب الدامية، هذه البقايا الهاوية، انظروا الرماد الحائل، وهؤلاء النساء والأطفال يتهاوى بعضهم على بعض مهشمي الأعضاء تحت الحجارة، وهناك ألوف الضحايا التهمتها الأرض.
وجوه دامية، وقلوب خافقة، وأشلاء ممزقة.
قد ماتوا! ولم يدركهم مسعف.
ماتوا! وهم ينظرون إلى الموت
أتقولون أيها الفلاسفة،
وأنتم تسمعون أنينهم وترونهم وهم يحتضرون:
(إن هذا إلا صنع الشرائع الخالدة، وإن إلهاً حراً في مشيئته شاء لهم ذلك).
أتقولون: إن الآلة قد انتقم لنفسه منهم لأنهم كانوا آثمين، وما كان تقتليهم إلا جزاء آثامهم.