للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[أعلام الفكر في عصر الحروب الصليبية:]

عز الدين بن عبد السلام

٥٧٧ - ٦٦٠هـ

للأستاذ أحمد أحمد بدوي

نشأ في شظف من العيش، ورفعته ثقافته إلى أن أصبح ينادي الملوك بأسمائهم، ولم يعمه المجد عن الحق، فنادى على رءوس الأشهاد بخطئه يوم بان خطؤه، ولم يدعه حب السيطرة والسلطان إلى النزول عن كرامته أو الرجوع عن معتقده، ولم تهيأ له وسائل الثقافة صغيراً، ولكنه جد حتى صار أستاذ عصره وأعلم أهل زمانه.

ولد بدمشق حيث تفقه على فخر الدين بن عساكر، وجمال الدين بن الحرستاني، وقرأ الأصول على سيف الدين الآمدي، وأخذ الحديث عن القاسم بن عساكر، ودرس النحو، ورحل إلى بغداد، فأقام بها أشهراً. ونبغ العز في أصول الفقه، وأصول الدين، والتفسير؛ وبرع في الفقه حتى صار أعلم أهل عصره فيه، قالوا: وأنتهى به الأمر إلى مرتبة الاجتهاد فصار يفتى بما يؤدي اليه اجتهاده؛ وكان موفقاً سديداً في فتاويه.

ولي في دمشق خطابه الجامع الأموي والإمامة فيه؛ قال أبو شامة أحد تلامذته: (وكان أحق الناس بالخطابة والإمامة)؛ فأبطل صلاتي الرغائب ونصف شعبان، وفي طبقات الشافعية للسبكي (ج ٥ ص ١٠٥) نص فتواه في تلك الصلاة، وبيان الأسباب التي حملته على القول بإبطالها. وما كان عز الدين يسجع في خطاباته، بل يقولها مترسلا، وأجتنب فيها الثناء على الملوك، واستعاض عن ذلك بالدعاء لهم.

ودرس عز الدين بالزاوية الغزالية بجامع دمشق، حيث قصده الطلبة من الآفاق، يقتبسون منه ويأخذون عنه، وارتفعت مكانته حتى راسله عيسى بعض ملوك عصره وأحبوا لقاءه؛ فهذا الناصر داود بن المعظم عيسى يرسل اليه قصيدة يحزن فيا على ما أصاب الإسلام عندما أغارت الإفرنج على نابلس ويقول له فيها:

أيا ليت أمي أيم طول عمرها ... فلم يقضها ربي لمولى ولا بعل

ويا ليتها لما قضاها لسيد ... لبيب أديب طيب الفرع والأصل

<<  <  ج:
ص:  >  >>