للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نبوّة المتنّبي

للأستاذ محمود محمد شاكر

كتب الأخ سعيد الأفغاني كلمة عن (دين المتنبّي) في العددين من الرسالة (١٦١و١٦٢) سنة ١٩٣٦، وقد عرض فيها لنبوّة أبي الطيّب التي يزعمونها وقعت وكانت منه، ولم يجد مندوحةً عن القول (أو كما قال): (بأن تنبؤه في الأعراب أمر وقع حقيقة ولا سبيل إلى الشكّ فيه، تضافرت على ذلك كل المصادر الموثوقة حتى التي كانت تميل إليه كل الميل، فأنها لم تنف الأمر وإنما التمست له المعاذير) ثم علق على هذا فقال:

(قرأتُ أخيراً عدد المقتطف الذي كتبه الأستاذ شاكر عن المتنبيّ خاصّةً، فإذا به يذهبُ إلى نفي تنبؤ أبي الطيب الذي اتفقت عليه كل المصادر تقريباً. وقد أنعمت في تدبُّر الأسباب الحادية على النَّفْي فلم أجد فيها مقنعا به من القوة ما يقف لهذه الروايات الصحيحة!!

والتاريخ لا يثبت خبراً أو ينفيه تبعاً لميل مؤلّف أو رأيه، ولا بد فيه حال النفي من التعرض لجميع الأخبار المثبتة خبراً خبرا وهذا لم يصنعه الأستاذ شاكر!!

وأمر ادعاء المتنبي العلوية ليس فيه ما يهيج عليه الناس كل هذا، على رغم ذلك الخيال الجميل الذي لبس ادعاءه إياه في الكتاب المذكور!!

وإذا كان ما ذهب إليه الأستاذ صحيحاً، ففيم خجَلُ أبي الطيب وحياؤه كلما سئل عن أمر لقبه المتنبي؟ ولم كان يعمدُ إلى اشتقاقه من النبوة تارةً، ويعتذر بأنه شيء كان في الحداثة تارة، ويقول إنه يكره التلقّب به، وأنه (يناديه) به من يريد الغضّ منه؟ وعلى أي شيءٍ تقع كلمة كافور: (من ادعى النبوة بعد محمد أما يدّعي الملك مع كافور)؟ وكافور ليسَ من الذين يختلقون على شاعر، ولا ممن يروّج الاختلاق!!

وقد روى المعرّي - وهو الحجّة الثبت - أمر التنبُّؤ، وما حفّ به من حادث ومعجزات في رسالة الغفران. وأبو العلاء كان أحرى أن يشكَّ أو يكذب الخبر، لو أن في الأمر مجالاً للشكّ واحتمالاً للتكذيب، لأنه أشدُّ حبا للمتنبي، وعصبيّة له، وهو أنفذ بصيرة فيما يقال وأحكم نقداً للأخبار، مع قرب زمان، وصفاء ذهن، وقوة حجة، ومواتاة وسائل التحقيق إذ ذاك!!). انتهى. . . الرسالة سنة ١٩٣٦ (العدد١٦١ - ص١٢٥٥).

وأنا قد قرأت هذا الكلام في موعده حين صدرت الرسالة وأدرتُ أن أردّه، ثم بدا لي أن

<<  <  ج:
ص:  >  >>