يقع الجزء الأول من هذا الكتاب الفذ في نحو أربعمائةفحة من القطع الكبير، وهو ثمرة جهود شاقة وتجاريب طويلة وحسبك أن فكرة الكتاب قد جالت في رأس مؤلفه الفاضل منذ خمسة وعشرين عاماً، وأن العمل على إصداره ظل شغله الشاغلطوال هذه المدة، ذلك لأنه أثر التريث وإمعان النظر وإطالة البحث والاطلاع حتى جاء عمله في النهاية جديراً بفضله وأدبه وواسع خبرته.
مهد الأستاذ لموضوعه الواسع بمقدمة ضافية محكمة فتكلم عن أسباب إصداره هذا الكتاب مشيراً إلى حاجة الشرق في نهوضه إلى مثل هذه البحوث، ثم عرف هذا العلم إلى القاريء وجاء بلمحة تأريخية عنه، وبين له كيف تدرس فكرة الدولة عملياً، وتعرض لآراء العلماء في ذلك وهي بحق مقدمة شيقة، تدلك على شدة اهتمام الأستاذ بموضوعه كما تشهد بحسن فهمه واستيعابه له.
بعد ذلك تكلم الأستاذ في هذا الجزء من كتابه عن أصول الدولة وعرض في إسهاب ودقة النظريات المختلفة التي وضعت للدولة، فتكلم عن نظرية الطبيعة، وعن نظرية الأصل الاصطلاح شارحاً العقد الاجتماعي واصله، مورداً آراء الفلاسفة في ذلك. ثم انتقل إلى نظرية التكوين الاختياري الضروري للدولة ذاكراً في كل نظريه ما دار حولها من الآراء.
وبعد أن انتهى الأستاذ من سرد النظريات وشرحها، عاد إلى الكلام عن التطور التاريخي لفكرة الدولة: فتكلم عن فكرة الدولة في الهند وفارس والصين ومصر ودولة الإسرائيليين واليونان والرومان، ثم انتقل إلى العصور الوسطى وعهد إحياء العلوم وعهد الإصلاح مورداً في كل هاتيك الخطوات آراء العلماء والفلاسفة شارحاً جميع الحركات الفكرية والسياسية والاجتماعية التي لم يكن منها بد لموضوعه، وقد ختم الجزء الأول عند هذا الحد، وسيفتتح الجزء الثاني بتناول الفكرة ابتداء من عهد الانتقال بين عصر الإصلاح وعصر الثورة الفرنسية.