حياة أبن النحاس - الحياة بلا عمل تحجب الأديب عن فهم الجوانب الجدية من الحياة - تأثير الأفيون في هدم أبن النحاس، وكان في صباه أجمل ما رأت العيون - أشعاره في البكاء على جماله الذاهب - أيامه في دمشق والقاهرة والمدينة - قصائده الباقيات - أشعاره في (شرب الدخان) - شعوره بالمعاني المنقولة عن القدماء
١ - فَتحُ الله بن النحاس شاعرٌ نشأ في حلب في أواخر القرن العاشر أو أوائل القرن الحادي عشر، فقد سكتت المصادر عن العام الذي وُلد فيه، واكتفت بالنص على أنه مات بالمدينة ليلة الخميس ثاني عشر صَفر من شهور سنة اثنتين وخمسين ألف.
٢ - وسكتت المصادر أيضاً عن حياته العملية، فلم نعرف كيف كان يعيش، ولكنا فهمنا من سياق القول أنه أقام مدة في حلب، ومدة في دمشق، ومدة في القاهر، ومدة في المدينة؛ فعرفنا أنه شاعر لم تكن تربطه ببلده أو غير بلده رابطة معاشية، ولذلك تأثيرٌ في صبغ وجوده بصبغة الرجل الهائم في بيداء الوجود.
٣ - والواقع أن هذه الحال كانت مألوفة في حيوات الشعراء، ولكن ابن النحاس فيما يظهر أسرف في اعتزال الناس والبعد عن طلب المعاش، لينجو بنفسه من آثام الخلق، وليعفي كاهله من حمل أثقال العيش المنظم، وهي أثقال لا يتصدى لحملها غير أقوياء الرجال، ولهذا رأيناه يتزيا بزيِّ الزهاد ويعيش عيش الدراويش من الفقراء مع الترفع عن قبول الإحسان؛ فقد كانت لهذا الرجل فِطرة سليمة تصده صداً عن المكسب الرخيص، وتسوقه إلى صف المتعففين من أتباع التصوف الصحيح.
٤ - فكيف كانت البداية وكيف كانت النهاية لهذا الشاعر الرقيق؟
كان ابن النحاس في صباه غاية في روعة الجمال، وكانت صباحة وجهه أعجوبة الأعاجيب؛ فكان معاصروه يتوهمون أنه لم يُخلق إلا ليكون دُمية في قصر، أو زهرة في بستان، ولكنه صان نفسه عن مواطن الشبهات، فاعتزل الناس ليسلم شبابه وجماله من إفك القال والقيل في زمن لا يسلم فيه أهل الجمال من بغي الأقاويل والأراجيف.
نجا ابن النحاس من شر معاصريه فصار مثالاً للجمال المصون، ولكنه لم ينج من شر