للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[خطب فلسطين بين الصهيونية والاستعمار]

للأستاذ إبراهيم عبد القادر المازني

لا يزال العرب في فلسطين ماضين على سنتهم - يقاتلون، وينافحون، ويذودون عن حقيقتهم، بل وجودهم. وقد توسط الأمير عبد الله بينهم وبين الإنجليز غير مرة فما أجدت وساطته، وسمع من زعماء العرب الذين استقدمهم إليه في عمان أنهم ينتظرون منه أن يكف عن كلامهم في ذلك إلا إذا كان يستطيع أن يبلغهم أن مطالبهم أجيبت بلا نقص، وليصنع الإنجليز ما شاءوا، وليبلغوا بقوتهم مجهودها. ولو كان الأمر يحتمل المساومة لجنح العرب إلى السلم، ولكنهم لم يبق لهم اختيار، فأما أن يموتوا الآن مدافعين وإما أن يوطنوا النفس على الجلاء عن وطنهم والخروج من ديارهم إذا ظلت أبواب (الهجرة الصهيونية) مفتوحة. ومن هنا هذه الاستماتة في الثورة الفلسطينية.

ولو كانت هذه الثورة شبت في فلسطين في أعقاب الاحتلال الإنجليزي، لكانت أهول وأروع، فقد كانت البلاد غاصة بالسلاح والذخيرة، ولكن الخطر على العرب من (الهجرة الصهيونية) لم يكن قد تجسد كما تجسد الآن، ولا كان العرب في البلدان الأخرى - فضلاً عن فلسطين - قد أفاقوا من صدمة الغدر الاستعماري بهم. أما الآن فقد صار الخطر على العرب فلسطين حقيقة يحسها كل واحد في نفسه وفيما حوله. وانتسخ الأمل في أن يفيء الإنجليز إلى العدل ويؤثروا القصد بعد أن رآهم العرب يهملون ما أوصت به وحضت عليه ثلاث لجان من لجان التحقيق جاءت من لندن إلى فلسطين وأجمعت على أن الهجرة يجب أن تقف لأن البلاد لا تحتمل استمرارها. وكان ذلك قبل سنوات عديدة، فكيف الآن؟؟

وقد تغيرت الأحوال في البلدان العربية الأخرى، فاستقر الأمر في جزيرة العرب، ووضع الصلح الكريم بين نجد واليمن الحجر الأول في بناء الوحدة العربية، وجاءت المعاهدة التي عقدت في هذا العام بين العراق والدولة العربية السعودية، فكانت خطوة أخرى واسعة في سبيل الحلف العربي؛ وهبت مصر تطلب أن يسوى الأمر بينها وبين بريطانيا فبادرت بريطانيا إلى الدخول في المحادثات التي انتهت منذ أيام إلى الاتفاق؛ وتلتها سوريا فأضربت شهرين أو أكثر، فلا بيع ولا شراء، ولا أخذ ولا عطاء، وتفاقمت الأزمة واستحال علاجها بغير النزول على حكم الواقع، فردت فرنسا نفسها على مكروهها وعدلت

<<  <  ج:
ص:  >  >>