بقلم الدكتور محمد غلاب أستاذ الفلسفة بكلية أصول الدين
- ٨ -
الديانة المصرية
العلم والأب والفن والقانون
رأى رجال الدين أن الشعب لا يتبع التقاليد الدينية إلا إذا امتزجت تعاليمها بنفوس أبنائه امتزاجاً قوياً، وهذا لا يتيسر إلا إذا بشر بالدين رجال مثقفون فصحاء يملكون أعنة البلاغة ويستولون على أزمة البيان. وإذاً، فهم مضطرون قبل كل شيء إلى أن يفسحوا في مدارسهم للأدب أمكنة واسعة وأن ينزلوه بين معارفهم منزلة عالية وقد فعلوا، فكان من نتائج هذه العناية الفائقة بالأدب أن ظهر كتاب (أفتاح حتب) وزير الملك (إيزيس) الذي هو أقدم كتاب في الدنيا والذي يرى فيه القارئ من الحكم والنصائح والأمر باحترام المرأة وإعزازها والتحذير من إغضاب الملوك والرؤساء والحث على طلب العلم واعتباره أهم ضروريات الحياة وألزم واجبات الأشخاص من كل الطبقات إلى غير ذلك من وصف حلاوة الشباب ولذة القوة ومرارة الشيخوخة وانكسار النفس في أيامها وانطفاء مصباح الآمال والأحلام إلى آخره إلى آخره، مما يجعل من غير الممكن أن يكون كتاب هذا شأنه من منتجات عقول شابة في الأدب، ناشئة في الكتابة والتأليف.
ومن الطبيعي أن الأمة التي يصل فيها الدين والأدب إلى هذه المرتبة الرفيعة تسمو فيها الحالة الاجتماعية سمواً عظيماً يتبعه تقدم في جميع نواحي الحياة، لأن الأمة تنبغ في المخترعات وتبرع في الفنون بمقدار حاجتها إليها، وهذه الحاجة تتعدد تبعاً لتقدم المدنية التي هي أولى مظاهر السمو الاجتماعي. وإذن فالدين يتطلب سمو الأدب، والأدب عامل أساسي في الرقي الاجتماعي، والمدنية أولى مظاهر هذا الرقي، والحاجة إلى الاختراع والفن طليعة نتائج تلك المدنية. وهذه هي الدرجات التي صعدت عليها الدولة المصرية القديمة حتى وصلت إلى قمة سلم الحياة العالية فارتقت فيها الفنون الجميلة على اختلاف