لكل حضارة ومدنية تقاليدها الخاصة يعبر عنها فنها وأدبها وتتمثل في مظاهر الحياة اليومية المحيطة بها. والتقاليد هي التي تميز أي شعب عن شعب، وهي التي تفرق بين قوم وقوم، وهي التي تعطي كل لون من ألوان التفكير في الحياة اللون الخاص الذي يصطبغ به. فالحضارة الإسلامية غير الحضارة الأُوربية، والحضارة العربية غير الحضارة الصينية. وعلى كل تقليد إذا ما أراد أن يحافظ على كيانه، وأن يبقى سليماً من كل شائبة، صامداً ضد كل عدوان أن يعمل أولاً على الاحتفاظ باللغة التقليدية ومن ثم على تقويتها. وأمامنا حضارة الصين التي ترجع إلى خمسة آلاف سنة فأنها بقيت وظلت متماسكة متصلة غير متغيرة بفضل محافظتها على لغتها وعدم التفريط فيمن لها من حق الرعاية.
وبقيام الباكستان أمة تضم شعباً تربطه وشائج الحضارة الإسلامية أصبحت لزاماً عليها أن تفسح للثقافة العربية الإسلامية المكان اللائق وأن تحلها محلها من الاعتبار فالباكستان تريد أن تعيد لهذه الثقافة مكانتها السامية المرموقة، وهي تريد أن تصل ما أنقطع من ذلك التراث. والحضارة الإسلامية ككل حضارة كبيرة أخرى سجلت سطورها في ثبت التاريخ لها تقاليدها ولها كتابها الخاص بها الذي منه تنبثق ينابيع التقاليد الإسلامية العظيمة والذي فيه تتجسم وتتصور الحضارة بكل مظاهرها والذي فيه تتبلور المعاني والأفكار ثم ترسلها إلى الناس منعكسة حقائق ظاهرة ملموسة. هذا الكتاب وهو القرآن الكريم الذي أوحاه الله إلى نبيه محمد عليه الصلاة والسلام والنقطة التي سارت منها مدينة الإسلام؛ لهذا يتطلع إليه المسلمون كافة لأن فيه الوحي بصدق الإيمان والتعبير بصلابة الدين. عرفنا أن القرآن هو المصباح الذي ينير للمسلمين طريقهم ويدلهم على مسالك الخير ويبعدهم عن مهاوي الشر، عرفنا لماذا تريد الباكستان أن تندمج وأن تتصل بحضارة الإسلام، وأدركنا لأول وهلة عزمها على التمشي حسب تعاليمه السمحة مؤملة الفلاح والنجاح. وهي لم تقصر