كنت قد أبصرت في بعض الصحف صورة شبل مع إنجليزي وطلَّتُه أو لَبْوتَه. . . وهما يشربان الشاي (أو الشاهي كما يقولون في الحجاز) والثلاثة: الرجل والرَّجلة وأبن الليث يتناظرون صامتين. وفي الصحيفة حديث أنس الوحش، فلم أتعجب إذ رأيت هذا المسكين (أعني الشبل) يقاعد إنجليزياً، ولم أنكر، ولم أقل: إن ذلك البريطاني قد تطبع بطبع الأسد الوحشي حتى ائتلفا واصطحبا لأن الإنجليزي إنسان من الاناسية والناس لا يحتاجون كما يعرف العارفون إلى تدرب على طبيعة من طبائع الضواري والكواسر أو الجوارح، فالقرابات كما حققت علوم كثيرة في هذا الزمان بين منتصبي القامات اليوم وبين الماشيات على أربع والطائرات والزحافات واشجات قريبات؛ ووراثة الأجداد البعيدة (بل القريبة) وهي التي يقال لها في اللسان الإفرنجي ' ما زايلتهم في حين، وما ضاع والحمد لله. . . منها شئ؛ وفي كل يوم ألوف ألوف من الأدلة المثبتة المسكتة، المخجلة المخزية. وابْل من شئت ممن تفخمهم تفخيماً وتبجلهم تبجيلاً وتحسبهم - وهم من البشر - ملائكة، فإنه (يكاد أفضلهم رأياً يردّه عن فضل رأيه الرضا والسخط، ويكاد أصلبهم عوداً تنكأه اللحظة، وتستحيله الكلمة الواحدة)
(والناس شجرةَ البغي)
(وجدت الناس إن قارضتهم قارضوك، وإن تركتهم لم يتركوك، وإن هربت منهم أدركوك)
(وجدت الناس أخبْر تَقْلِهْ):
يلقاك بالماء النمير الفتى ... وفي ضمير النفس نار تَقِدْ
يعطيك لفظاً ليّناً مسُّه ... ومثل حدّ السيف ما يعتقدْ
فالناس هم الناس، و (هم - كما قال عالم إفرنجي - لم يزالوا حتى اليوم في الأفق (الدور) القردي الشبنزي أو الشنبنزي) إنهم بعد لفي هذا الأفق وإن مشوا في الأرض متغطرسين متكابرين متبجحين على إخوانهم الأقربين (ذوات الأذيال. . .) بما سمّته لغاتهم تقدماً وارتقاء وإن أسمعك بعضهم - وأنت في القاهرة مقيماً - صوت الحبيبة في (نيويورك)