لا شك في أن المرأة إذا أخلصت للفن سادت فيه، ولكن المرأة تدخر فنها دائماً لنفسها، فهو سلاحها في الحياة لا تلقيه للناس لأنه لا سلاح لها غيره. ولكن الحياة ترغم بعض النساء على الفن، فمن رضى الله عنها عندئذ أخلصت لفنها وأطلقت نفسها فيه فسمت، وإلا فهي مذبذبة بين الفن وحياة الواقع، فهي ككل من يحترف حرفة يأكل منها الرزق حلالاً وإن كان يرجو النجاة منها. . .
وفي مصر - كما في كل بلد - كثيرات من محترفات الفن وإلى جانب هؤلاء قليلات من المخلصات
السيدة منيرة المهدية
حرفتها الغناء وفنها التمثيل. وأستطيع أن أقول بلا تحفظ إنها الممثلة الأولى في مصر. وليس عجيباً أن تكون كذلك، فقد قضت منيرة زمناً كانت فيه الغادة المصرية الأولى،
وكان سعيداً من يحظى منها بتحية، ومحسوداً من تناجيه بكلمة راضية. ولم يكن جمهور منيرة من التلاميذ ولا الصبيان، وإنما كان من كبار الناس الظاهرين في البلد، الناجحين في أعمالهم المفروضة أشخاصهم على الشعب. وكان على منيرة أن تسوس جمهورها ومن وراء جمهورها من أفراد الشعب، وكان عليها أن تكسب رضاءهم جميعاً، وعطفهم جميعاً، وإعجابهم وتحمسهم. ولم تكن منيرة لتستطيع هذا إلا بالتمثيل، فهو الذي كان يمكنها من أن تضحك للنكتة السخيفة إذا ألقاها باشا من الباشوات جبراً لخاطره وستراً لسخفه، والتمثيل هو الذي كان يمكنها من أن تلتوي تدللاً على مثر من الأثرياء إذا هجر صالتها أو مسرحها زمناً فلم يتردد ولم ينفق في البار ما يقوم بنفقات الفن. . . فإذا هو بعد التواءتها مقيم في البار، آناء الليل وأطراف النهار. . . يريد أن يسترضيها
منيرة ممثلة هائلة: وهي مغنية ممتازة إذا غنت، ولكنها لا تغني كلما غنت