إن الإنكليز هم أول الشر ووسطه وآخره، وإنهم كالشيطان منهم يبتدئ الشر وإليهم ينتهي. وإنهم ليزيدون على الشيطان بأن همزاتهم صور مجسمة تؤلم وتؤذي وتقتل، وجنادل مسومة تهشم وتحطم وتخرب، لا لمة تلم ثم تنجلي، وطائف يمس ثم يخنس، ووسوسة تلابس ثم تفارق. ويزيدون عليه بأنهم لا يطردون باستعاذة وتذكر القلب ويقظة الشواعر، وإنما يطردون بما يطرد به اللص الوقح من الصفح والأحجار والمدر، ويدفعون بما يدفع به العدو المواثب، بالثبات للصدمة، والعزم المصمم على القطيعة وبت الحبال، والإرادة المصرة على المقاطعة في الأعمال، والإجماع المعقود على كلمة واحدة ككلمة الإيمان (إن الإنكليز لكم عدو فاتخذوهم عدوا). يرددها كل عربي بلسانه، ويجعلها عقيدة جنانة، وربيطة وجدانه، وخير ما يقدمه من قرباته. قد غركم أول الإنكليز فأعيذكم أن تغتروا بآخره بعد أن صرح شره، وافتضح سره، وانكشف لكم لينه عن الأحساك والأشواك. وقد تمرس بكم فعرف الموالج والمخارج من نفوسكم قبل أن يعرف أمثالها من بلادكم، وحلل معادن النفوس منكم قبل إن يحلل معادن الأرض من وطنكم؛ وعجم أمراءكم فوجد أكثرهم من ذلك الصنف الذي تلين أنابيبه للعاجم، وتدين عروبته للأعاجم.
قد علمتم أنه هو الذي وعد صهيون فقوى أمله، ولولاه وعده لكانت الصهيونية اليوم - كما كانت بالأمس - حلما من الأحلام يستغله (الشطار)، ويتعلل به الأغرار.
وعلمتم أنه انتدب نفسه على فلسطين فكان الخصم والحكم في قضيتها، وأنه ما انتدب إلا ليحقق وعده؛ وأن في ظل انتدابه، وبأسنة حرابه، حقق صهيون مبادئ حلمه فانتزع الأرض منكم بقوة الإنكليز، وفتن ضعفاءكم بالخوف وفقراءكم بالمال حتى أخرجهم من ديارهم، واتخذ الصنائع والسماسرة منكم، وبنى المدن بأيديكم، ومهد الأرض بأيديكم، وشاد المصانع بأيديكم، وأقام المتاجر وبيوت الأموال لامتصاص دمائكم أو أبتزز أرزاقكم. وعلمتم أن الإنكليز هم الذين سنوا الهجرة بعد الفتح ليكاثروكم بالصهيونيين على هذه