الرقعة من أرضكم، فلما انتبهتم للخطر غالطوكم بالمشروع منها وغير المشروع. ومتى كانت هجرة الوباء والطاعون مشروعة إلا في دين الإنكليز؟
وعلمتم أن بريطانيا هي التي جرت ضرتها البلهاء أمريكا إلى محادتكم وجرأتها على احتقاركم لتكيدها وتكيدكم، ولتحل بالسياسة ما عقده الاقتصاد بينكم وبين أمريكا من صلات؛ وأنها هي التي ألبت عليكم الأمم الصغيرة ودويلاتها حتى إذا جالت الأزلام وأيقنت بالفوز أمسكت إمساك المتعفف، وتظاهرت بالروية والحكمة، وجبرت خواطركم بالحياد، وملأت الدنيا تنويها بهذا الحياد الفاضح، فكانت كالقاتل المعزي. .
يا ضيعة الآداب الإسلامية بينكم! إن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، وقد لدغتم من الجحر الإنكليزي مرات فلم تحتاطوا ولم تعتبروا. وخدعتم من الجانب الإنكليزي كرات فلم تتعظوا ولم تتبصروا. خدع خلفكم كما خدع سلفكم، واستهوى أمراءكم وكبراءكم ودعاكم إلى موائده الفقار فلبيتم. وما رأى منكم في كل الحالات إلا المجاملة، واستمرار المعاملة، وما أنس منكم إلا التهافت على أعتابه، والتعلق بأسبابه.
فيا ويحكم. . . أكل ذلك لأن الإنكليز أغنياء وأنتم فقراء، أو لأنهم أقوياء وأنتم ضعفاء. كلا. . . إنهم لأغنياء بكم وبأمثالكم من الأمم المستخدمة، وليسوا أغنياء عنكم. وإنهم لأقوياء بما يستمدونه من أرضكم وجيوبكم فاقطعوا عنهم المددين يضووا ويهزلوا، واخذلوهم في مواطن الرأي والبأس ينخذلوا، وعمروا جزيرتكم تخرب جزيرتهم، إن لبدة الأسد هي بعض أسبابه إلى زرع الهيئة في القلوب؛ ولكن لبدة الأسد البريطاني لبدة مستعارة، فلو أن كل أمة استرجعت شعراتها من تلك اللبدة التي تكمن وراءها الرهبة لأمسى الأسد هرا مجرد العنق معروق الصدر بادي الهزل والسلال.
إن الغنى عمل وتدبير. فلو عملتم لكنتم أغنياء. وإن يده الغنى من غنى النفس بالتعفف عن الكماليات، وفطمها عن الشهوات. وإن القوة مشيئة لا جبر، فلو شئتم أن تكونوا أقوياء لكنتم. وإن بدء القوة من قوة الأخلاق، وقوة الاتحاد هذا أول الإنكليز عرفتموه، فهل عرفتم آخرهم؟ إنهم كانوا أداة تفريقكم في الماضي، وكانوا عونا للزمان عليكم، فلما رأوا شملكم إلى اجتماع، وجامعتكم إلى تحقق، جمعوا لكم كل ما عندهم من مكائد ومصائد. . . إنهم ينطوون لكم على العظائم؛ وإن في جعبتهم ما في جعبة الحاوي من حيات. وإن في أيديهم