. . . ونفخ في الصور فلفضتنا القبور حفاة عراة سواء منا ملك وصعلوك وعذراء حصان وبغي هلوك، لا تستطيع امرأة أن ترنو إلى رجل تجتبيه، وما يستطيع رجل أن يرنو إلى امرأة تدانيه، فكل ذاهل اللب له شأن يغنيه
ورف ملاك فوق رؤوسنا وبيده إبريق، يصب منه ماء لفريق منا دون فريق، فقلت اسقني يا هذا إني لفي صدى شديد وضيق. قال: أفأعطيت في حياتك لابن سبيل ثمداً من غدقك؟ قلت: قد كنت في حياتي نضو إملاق. قال: إن نبيك مات ودرعه مرهونة عند يهودي في ثلاثين صاعاً من شعير. فما كانت صناعتك في الدنيا؟ قلت: شرطي. قال: أفحررت عبداً من رقه، أو كبتَّ مجرماً وكفيت الناس شره؟ قلت: لم يكن في زمني رق ولا رقيق. فرمقني وقال: يلوح لي أنك أتيت في دنياك حوباً كبيراً، وهذا الماء لمن وقى شريداً أو أطعم فقيراً. فسفحت دمعي عله يرق لي. . . لكنه تركني وانصرف
ووضع الكتاب في عرصات القيامة، وأذن في الناس إبراهيم، وجيء بالمنعمين في الدنيا فعرضوا على جهنم فسمعنا لها شهيقاً وهي تفور، وصاح صائح: إنا اعتدناها لهؤلاء نزلاً، وسيرون الآن فيها العذاب قبلا.
ورأيت قوماً تجذبهم الملائكة وتقف بهم بين يدي الله، وينادي المنادي بأعلى صوت: هؤلاء هم الشرطيون الذين كانوا في حياتهم يرتشون، والذين كانوا لا يتركون بائعاً جوالاً إلا وهم من بضاعته آكلون؛ تقوم الدنيا إلى جانبهم وهم بباعة العرقسوس لاهون!
وسئل أولهم عما كان يحشو به منديله المحلاوي من لب وفشار، وبطاطا وخيار، وما كان يرشي به من درهم ودينار. ونظرت إليه فإذا هو ناكس رأسه حزناً وألماً يقول:
قد رأيت يا رب قلة راتبي وكثرة أطفالي وإن أحدهم كانت تهصر نضارته الحمى وأمه قائمة إلى جانبه يرفض كبدها لصوت أنينه، فلم أملك رفض الدراهم التي كانت تقدم إليّ لأدفعها للطبيب ثمن الحياة لطفلي، إذ لم يكن ينتفع في الدنيا بطب الطبيب سوى الأغنياء. ولم أسمع أن أحداً منهم خصص يوماً للفقراء، وكان زمني كله شرور فذوو السعة يغلون