للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أيديهم لا يبسطونها إلى لشهوة أو نزوة أو لوليمة تقام للأمراء والأغنياء، ولم أر موسراً دعي إلى مأدبة فقراء

وكان في زمني مبنى يسمى (متحف الآثار)، كانت تكدس به تماثيل وقطع من الأحجار، يهرع لرؤيتها الأغنياء من الأقطار والأمصار، وكان يكفي ثمن القطعة منه لبناء أكبر دار تضم بين جدرانها العرايا والمشردين من الأطفال الصغار، الذين كانوا يفترشون الأرصفة فتهطل على أجسادهم الرقيقة الأمطار، على أن أحداً لم يحفل ببيع ما تماثل أو تشابه من هذه الآثار، ليدفعوا ببعض ثمنها عني وعن أولئك الأطفال الدمار، بحجة أن في بيعها لمصر عاراً. مع أن تركيا فعلت ذلك واشترت بثمن آثارها أسطولاً في الجو وآخر يمخر البحار، ولم نسمع في زمننا أن أحداً أشار إليها بعار أو شنار. . . وكنت أقف النهار يلوحني الهجير، وأسهر الليل يقضقض عظامي الزمهرير، ولا يدفع لي عن ذلك إلا أجر يسير؛ فقيل له: ألك شاهد بذلك؟ قال: رَسِل باشا. فهتف مناد: يا رسل يا ابن حواء! فأشخص إلى المولى وسئل فوافق على ما قاله رجاله، فدخلوا بشهادة الجنة آمنين. . .

ومر مثل عمري في الدنيا حتى حان دوري في الحساب فشدهت من هول الموقف وفرقاً من هيبة الله وجعلت أسبح وأستعيذ والملاك يغذ بي السير حتى مثلت بين يدي الله فغشي بصري من نوره، وثقلت سيئاتي، فسئلت: لم فسقت عن أمر ربك؟ فألجمني الفزع الأكبر. فهتف هاتف: عذبوه. فانطلق بي الزبانية وإذا بي من جهنم على شفير، فريع قلبي وصرخت صرخة رجعت أصدائها أطباق الجحيم وجأرت بالشكوى إلى الله أن يكشف عني الضر (إنني من أمة حبيبك محمد الأمين). . . فرأيت خاتم الرسل يطوي إليّ رحب السماء على البراق وهو يهتف بي: (لا تثريب عليك فقد غفر الله لك). . . ووكل بي حورية هيفاء حملتني وانطلقت بي إلى جنة الخلد التي وعد الله بها المتقين

وأخذت أخبط في جنبات البساتين فإذا بقصور من در تتغلغل في رياض الجنة وورودها لتفئ إلى عزلة سعيدة، فسألت حوراء من حور الجنان: لمن يكون هذا الحي فقالت: إنه لصرعى الغرام. قلت هل تدليني على قيس بن الملوح) إنه مات وجداً بليلاه. فقالت: أنا بك إليه

ودلفت وراءها إلى فناء قصر تتوسطه بركة ملئت ماء ورد قد خلط بمسك وزعفران، وإذا

<<  <  ج:
ص:  >  >>