أحسنتم في كلمتكم التي شيعتم بها عهد الدكتاتورين هتلر وموسليني، وأشرتم إلى موضع العجب العاجب من أمر الأمة الألمانية التي يستطيع رجل كسائر الرجال. . . (فيه الخطل والجهل والعجز والهوى، وليس فيه إيمان لوثر، ولا سياسة بسمارك، ولا أدب جوتة، ولا فلسفة نيتشة، أن يسيطر ستين مليوناً من الجنس الأوربي الممتاز، وأن يسخرهم أثنى عشر عاماً في ابتكار أفظع ما يتصور الذهن الجبار المجرم من وسائل الفتك وآلات الدمار)
والحق أن أعجوبة الأعاجيب في هذه الأمة الألمانية أنها على وفرة نوابغها وشيوع التعليم بين طبقاتها وازدهار المعارف والصناعات فيها، لا تزال تستسلم لطاغية بعد طاغية سواء من عواهلها أو من المغامرين بالحكم فيها، ثم تمضي معهم في مخاطرة بعد مخاطرة من أيسر شرورها هزيمتهم وامتلاء الأرض كلها بالوحل والبلاء بضع سنوات
ولكنها عبرة من عبر التاريخ الكبرى تساق إلينا نحن الشرقيين خاصة لنعلم هوان المعارف والصناعات ووفرة النوابغ وكثرة المتعلمين إلى جانب التربية السياسية الني تتوارثها الأمة جيلاً بعد جيل في ظل الحرية والمعاونة البصيرة بين الرعاة والرعية
فالأمة الألمانية قد استوفت كل مزية من مزايا العلم والصناعة والنبوغ إلا هذه المزية التي لا غنى عنها، وهي مزية التربية السياسية
وأولى خصائص هذه المزية هي الاستقلال بالرأي في محاسبة الحكام، أو هي اشتراك الجميع في الحكم ببداهة المعاونة التي تنشأ من طول المرانة وكثرة المراس
فالأمة الإنجليزية مثلاً قد نشأت في جزيرة يحوطها البحر، فاستغنى ملوكها عن الجيوش القائمة الكبيرة التي يدفع بها الملك خطر العدوان من جيرانه، وأمن رؤساء العشائر أن يسومهم الملك طاعة لا مراجعة فيها ولا مشاورة، لأنهم كانوا جميعاً في عشائرهم بمثابة الملوك الصغار، وكان لهم من الجند والأتباع ما يستعينون به على مكافحة العسف والطغيان كلما تجاوزا حدود المصلحة الكبرى التي يرتضونها أجمعين
وكان الإنجليز أمة تجار وبحارة ينفردون بأنفسهم في لجج البحار. فتعلموا من التجارة مساومة الآخرين، وأن الأمر لا يؤخذ في الدنيا بالغصب والإكراه، وتعلموا من البحر كيف