[جنازة. . .!]
للأستاذ عثمان حلمي
ولقد تبعتُ ضحىً جنازة راحل ... لمنازل في القفر غيرِ أواهلِ
ووقفت فيمن شيَّعوه بساحة ... لم تخفَ وحشَتها على متجاهل
الراقدون بتربها تحت الثرى ... ما بين أحجار وتحت جنادل
والنائمون بها ولا من موقظ ... يُرجى ولا صبح يلوح لآمل
ستر التراب عن العيون بلاءهم ... وأظلهم تحت البلاء الشامل
وسرى البلى فيهم فلم يترك لهم ... غير العظام عليهمُ كدلائل
فعجبت للإنسان كيف يغرُّه ... بحياته محضُ الغرور الباطل
لما نظرت إلى اللحود وكم طوت ... من عالِم جمَّ الذكاء وجاهل
أو ذي يسار جنب عاف معدم ... أو عاشق دفنوه جنب العاذل
ضم التراب شتاتهم فأواخر ... يمضون فيمن ضمَّ إثر أوائل
لم يُجزع الأضدَاد قربُ مباين ... فيه ولا الأشباه بعدُ مُشاكل
خلطوا فتلك على الزمان جماجم ... من فوقها أقدام جيل زائل
وتفتتوا حتى تخال جميع ما ... في الأرض دمّ مفاصل وأنامل
وقرأت ما كتب الألى فوق الألى ... دفنوهمو من خلة وشمائل
أحست أني قد دفنت بجنبهم ... ما كان بي من غيرتي ودخائل
ومضى الذي قد كان أثقل مهجتي ... من كلّ هّمٍ بالتوافه شاغلي
أنظر فهذا دون طرفك ثاكل ... يبكي ابنه واعذر فؤاد الثاكل
وابن هنا يبكي أباه وأمه ... وبدمعه معنى الغرور الشامل
ولسوف يتلوا نعيُه نعْيَيهما ... في ذات يوم للنعاة مماثل
وتقرِّب الأيام بينهم إذا ... وصلوا تباعاً نحو هذا الساحل
من مات هذا اليوم ساوى من قضى ... في موته أيام دهر كامل
أنظر فهذا القبر كاد لطول ما ... هجروه يبدي لهفة المتسائل
أين الذين بكوا عليه وما لهم ... شحّوا فما زاروه زورة باخل