ولع الرافعي منذ نشأته في الشعر بالأناشيد الوطنية والأغاني الشعبية، يفتنّ في نظمها، ويبدع في أوزانها وأساليبها؛ ففي سنة ١٩٠٣ أخرج في الجزء الأول من ديوانه بضع قصائد وطنية، تفيض عاطفة وتشتعل حماسة؛ واشتهر من بينها قطعته (الوطن) التي يقول في مطلعها:
بلادي هواها في لساني وفي دمي ... يمجِّدها قلبي ويدعو لها فمي
وذاعت على ألسنة تلاميذ المدارس، يحملهم المعلمون على استظهارها في دروس المحفوظات إلى يومنا هذا، كما اشتهر كثير من قصائده الوطنية وأغانيه الشعبية. وجاء في هامش ديوانه بعد تمام هذه المقطوعات:(قد تمت القطع التي نظمت للنشء من تلامذة المدارس، وقال ناظمها: إنه إذا وجد الناس أقبلوا عليها أقبل هو على نظم غيرها مما هو أرقى، غير مبال بوعورة هذا المسلك الذي لم يسلكه قبله أحد. فها نحن أولاء ننتظر من الصحفيين وشبان العصر أن يأخذوا بيده في هذا المشروع، حتى لا يغيض ما بقي في ذلك الينبوع. . .)
ثم دأب على نظم أمثال هذه الأغاني، ينشر منها طرفة رائعة في كل جزء من ديوانه، فنشر نشيد الفلاحة المصرية، وأرجوحة سامي، وغيرهما، وأذاع في الصحف كثيراً مما نظم من (أغاني الشعب)
وإنك لترى الرافعي في هذه الأغاني والأناشيد، له طابع وروح غير ما تعرف له في سائر شعره، فتؤمن غير مضلل أن الرافعي هبة الزمان للعربية ليزيد فيها هذا الفن الشعري البديع الذي تقطعت أنفاس شعراء العربية دونه منذ أن أنشد شاعرهم في الزمان البعيد:(نحن بنو الموت إذا الموت نزلْ. . .) ثم لم يقل أحد من بعده شعراً يترنم به في الحرب،