للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[بعد عيد وفاء النيل]

متى نتحكم في نهرنا؟

للأستاذ وديع فلسطين

قديماً قالوا (مصر هبة النيل)، وما كانوا بذلك يمزحون أو يلقون الكلام على عواهنه، وإنما قرروا حقيقة أثبتت الأيام صوابها، وهي أن ماء النيل أثمن شيء في مصر، أثمن من حديدها ومعادنها وذهبها وزيتها.

وما فتئنا نسمع من ربع قرن من الزمان أحاديث تستطيبها الأذن عن مشروعات النيل وضبط مائه والانتفاع بكل نقطة منه واستغلاله في زراعة الصحراوات وو. . . مما يروق لذوي الخيال الواسع أن ينساقوا وراءه. ولو أننا حولنا بصرنا إلى غيرنا من الدول الزراعية ودرسنا أساليبها في الزراعة وضبط الماء، وقلدناهم فيما نجحوا فيه لكان لنا اليوم أن نفخر بنهر أصبحنا أسياده بعد ما كان سيدنا، وتحكمنا فيه بعد ما ظل أربعة آلاف من السنين أو يزيد يشمخ بتحكمه فينا.

وقد احتفلت مصر في الأسبوع الماضي بعيد وفاء النيل. وجدير بنا في هذه المناسبة أن نعرض صفحة مما نهضت به دولة زراعية، فرفعت مستوى المعيشة فيها وأصلحت أراضيها وتزعمت الأمم الزراعية قاطبة.

هذه قصة نهر عظيم في الولايات المتحدة يدعى نهر تنيسي استطاع الأمريكيون أن يتحكموا فيه بعد ما كان يكتسح المحصولات والغابات ويخرب البيوت، فأمكن الانتفاع به إلى أقصى حد ممكن ودرء خطره الذي كان يهدد الدور والحقول على ضفتيه.

يمتد نهر تنيسي من الشرق إلى الغرب في المنطقة الوسطى من الولايات المتحدة، وهو لا يبلغ في طوله مبلغ نهر النيل لأن طول النهر الرئيسي ١٠٤ كيلو متراً بينما يزيد طول النيل على ستة آلاف من الكيلو مترات. غير أن الأراضي الصالحة للزراعة في وادي تنيسي تبلغ مساحتها ١٠٥ , ٠٠٠ كيلو متر مربع في حين أن مساحة الأراضي الصالحة للزراعة في مصر لا تزيد عن ١٣ , ٦٠٠ ميل مربع. ونهر تنيسي، على النقيض من نهر النيل الذي يخلو مجراه في مسافة طولها١ , ٦٠٠ كيلو متر من الأنهار الفرعية، غنى بمئات من الأنهار الصغيرة التي ترتفع في الجبال في هذه المنطقة من الولايات المتحدة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>