للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[السيدة سكينة بنت الحسين]

للأستاذ سعيد الديوه جي

(تتمة)

مزاحها وتهكمها:

أنتهي الفرزدق من حجته ويمم شطر المدينة المنورة ليسلم على السيدة سكينة أملاً في صلتها ورغبة في ثنائها ليغيظ بهذا خصمه بل أكبر أعدائه (جريراً). والفرزدق من الحزب العلوي، طورد وسجن واضطهد بسبب تشيعه لهم. ولم يكتم هذا الحب الصادق لآل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حتى أمام الخليفة هشام. ولكن هذا لم يخلصه من انتقاد السيدة سكينة وتهكمها به. ولما مثل في ندوتها سألته: من أشعر الناس؟

- وهي تعلم مكانته من الشعر فهو أفخر الشعراء الأمويين وأمدحهم وأمتنهم أسلوباً وأجزلهم لفظاً - قال: أنا. قالت: كذبت. أشعر منك الذي يقول:

بنفسي من تجنبه عزيز ... عليَّ ومَنْ زيارته لمام

ومن أمسى وأصبح لا أراه ... ويطرقني إذا هجع النيام

ولا شئ يغيظ الفرزدق أكثر من تفضيل قرنه وخصمه الألد جرير عليه. بهت الفرزدق وأسقط في يده. وماذا يصنع مع سكينة التي تريد أن تلعب بعقل هذا الشيخ؟ قال لها: والله لئن أذنت لي لأسمعتك أحسن منه. قالت: لا أحب فاخرج عني. خرج الفرزدق يتعثر في أذياله، ويخشى أن يشيع هذا الخبر فيسمعه جرير ويتخذه حجة له عليه. وفي اليوم الثاني عزم على أن يعيد الكرة لعل الله يشرح صدر سكينة فتشمله بعطفها وتمن عليه بكلمة ثناء تجبر بها كسره. ولما مثل في صالونها قالت له: من أشعر الناس؟ قال: أنا. قالت: كذبت، أشعر منك صاحبك حيث يقول:

لولا الحياء لهاج لي استعبار ... ولزرت قبرك والحبيب يزار

كانت إذا هجع الضجيج فراشها ... كتم الحديث وعفت الأسرار

فقال لها: والله لئن أذنت لي لأسمعتك أحسن منه. فأمرت به فأخرج. ضاقت عليه الأرض بما رحبت فلا يدري ماذا يعمل وبمن يلوذ. ولكنه لم يقطع أمله من صلتها وثنائها. فقصدها

<<  <  ج:
ص:  >  >>